من الواضح أنّ هناك نقطة تقاطع مصالح بين رئيس النظام السوري بشار الأسد وروسيا وإيران عنوانها حماية منطقة الساحل السوري لما تشكله من أهمية استراتيجية لهذه الأطراف الثلاثة .

فبعد العجز الواضح لرأس النظام عن السيطرة على الأرض وفقدانه لأكثر من ثلثي الأراضي السورية وتهديد المعارضة المسلحة آخر معاقله على الساحل السوري فإنه يرى نفسه مضطراً لإعادة ترتيب بيته الداخلي الذي لا يتعدى جغرافيا مدن الساحل وما حولها .

لذا لا بد من استدعاء كل أسباب القوة وتركيزها في تلك المناطق التي تعتبرها حاضنة طائفية له ، وعليه جاء استدعاء التدخل العسكري الروسي في لحظة حاسمة ومصيرية بالنسبة للنظام ، فتقاطعت مصلحة الرئيس الأسد مع حكام الكرملين الذين جاؤوا ليدافعوا عن منفذهم الوحيد على المتوسط بعد أن فقدوا كل منافذهم وآخرها المنفذ الليبي .

والقوات الروسية لم تأت لتتورط عسكرياً في المناطق السورية التي يحتلها تنظيم داعش وهي لن تكرر التجربة الأفغانية ، وجاءت تحديداً للدفاع عن حدود الدويلة العلوية المقبلة ليس حباً بالنظام ولا بالطائفة العلوية ، بل لأن قواعدها على البحر المتوسط تقع هناك .

وهذا يبدو جلياً من خلال مراقبة الغارات الجوية التي تقوم بها المقاتلات الروسية والتي لا تتعدى بغالبيتها جوار اللاذقية وحماة وحمص وإدلب وهي المدن التي تشكل جدراناً لحدود الدويلة العلوية مما يستدعي تأمينها بعد تفريغها من سكانها السنة.

إيران من جهتها وبعد فشلها حتى الآن في توسيع نفوذها في المنطقة فهي ترى نفسها معنية بوجود دولة طائفية في سوريا موالية لها لضمان نفوذها الإقليمي في المنطقة فتقاطعت مصلحتها مع رئيس النظام السوري بشار الأسد والمصلحة الروسية في السعي لحماية حدود هذه الدويلة العلوية المرتبطة جغرافيا بالبقاع اللبناني ذات الأغلبية الشيعية والذي يشكل حاضنة طائفية لحزب الله حليف إيران .

فالنظام السوري لم يعد يعنيه مصير سوريا ككيان موحد ليس فقط لعجزه عسكرياً عن الاحتفاظ به ، بل أيضاً لإدراكه بعقم الاحتفاظ بمناطق لا يدين سكانها له بالولاء الطائفي بعد أن غرس خنجره المذهبي في لحمها ومارس عليها عمليات الإبادة والتهجير والإقتلاع على أسس طائفية.

لهذا لم يبقَ أمام بشار الأسد إلا خيار واحد وهو خلق كيان له على أساس طائفي ، فالنظام السوري الذي يشعر بالعزلة عن شعبه بات مدركاً عبثية تبديد ما تبقى له من قوة عسكرية للاحتفاظ بمناطق شاسعة في سوريا لا تدين له بالولاء الطائفي ، وبات يعي أن الإستمرار في القتال في تلك المناطق هو استنزاف للقوة يأتي على حساب حماية معاقله الأساسية على الساحل .

وهذا مصداق للتصريح الذي أعلنه الرئيس بشار الأسد عندما قال /ان الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جواز سفره أو جنسيته إنما لمن يدافع عنه ويحميه / وعليه فهو معني فقط باقتطاع الأجزاء التي تهمه من الأراضي السورية ليبني عليها دولته .