مع التدخل العسكري الروسي في سوريا ونشاط الطائرات الحربية الروسية المتطورة واستهدافها لمواقع المعارضة من خلال القيام بغارات جوية مكثفة ، فإنّ الحرب في سوريا أصبحت حرب عالمية بكل ما للكلمة من معنى ، بحيث أنّ الطيران الحربي للدول الكبرى يتجوّل في الأجواء السورية ويقصف ما يختاره وما يناسبه من مواقع ومراكز .

ذلك أنّ سوريا تحوّلت إلى ساحة للصراعات الدولية ولتصفية الحسابات بين القوى الكبرى بعد انهيار الدولة وما فيها وما لحق بها من دمار وخراب وقتل وتهجير نتيجة تعنت الرئيس بشار الأسد وإصراره على البقاء على رأس السلطة بعدما فقد شرعيته الشعبية على مستوى الداخل والدولية على المستوى الخارجي .

ففي مقابل عجز الرئيس الأميركي باراك أوباما وتلكئه عن اتخاذ أي قرار في سوريا يؤدي إلى إخراجها من دوامة الحرب المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات ويفضي إلى حل سياسي لأزمتها ، فإنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حزم أمره وقرر إرسال قواته العسكرية لدعم الدفاعات المنهارة للنظام السوري فيما تتحدث تقارير صحافية عن أنّ إيران أرسلت المئات من قواتها إضافة إلى عناصر حزب الله لدعم قوات النظام في معاركه ضد المعارضة .

فالرئيس الروسي يضع مسألة دخوله الحرب في سوريا في خانة الحرب على الجماعات الإرهابية والتكفيرية وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية داعش ، ودعا العالم للمشاركة في هذه الحرب معتبراً أنّ روسيا تواجه خطر عودة الإرهابيين إلى أراضيها ، إذا لم تقم بعملية استباقية للقضاء عليهم في سوريا وذلك بعد فشل التحالف الدولي والعربي الذي انشأته الولايات المتحدة الأميركية وقادته للحرب على الإرهاب للحؤول دون تحقيق أهدافه والذي نتج عنه ارتفاع منسوب العمليات الإرهابية وتوسيع نشاط داعش بإحتلالها ما يزيد عن نصف الأراضي السورية .

لكن الرئيس بوتين كشف عن حقيقة أهداف تدخله في سوريا عندما دعا العالم أجمع في خطابه أمام الأمم المتحدة إلى دعم الرئيس السوري في قيادة الحرب على الإرهاب ، فيما تعتبر معظم دول العالم باستثناء روسيا وإيران وحلفائهما أن بشار الأسد هو المسؤول الأول عن إطالة أمد الحرب في سوريا وعن فتح أبوابها للإرهابيين من كل مكان إضافة إلى أن الجرائم التي ارتكبتها قواته والميليشيات الداعمة له لا تقل وحشية عن جرائم الجماعات الإرهابية والتنظيمات التكفيرية .

وفي تصنيفه للإرهابيين فإن بوتين لا يختلف عن تصنيف الأسد لهم ، فكل المعارضة السورية هي جماعات إرهابية ، وما يؤكد ذلك أنّ المقاتلات الروسية لم تميز في غاراتها بين مقاتلي داعش ومقاتلي الجيش الحر ، فالكل في نظره سواء وعرضة للقصف والتدمير .

وما تقوم به روسيا اليوم في سوريا سبق أن قامت به عندما كانت جزءاً من منظومة الإتحاد السوفياتي الذي تدخل عسكرياً في أفغانستان لإنقاذ نظام بابراك كاراميل ومحاربة الإرهابيين قبل أن يصلوا إلى الأراضي السوفيتية ، لكن ذلك التدخل يومها كلف المعسكر الإشتراكي غالياً إذ انتهى بتفكك الإتحاد السوفياتي وتاليا بإنهيار المنظومة الاشتراكية كلها.

لا شكّ أنّ تدخل بوتين في سورية محفوف بالأخطار ، فروسيا تواجه أزمة اقتصادية صعبة ومحاصرة بعقوبات غربية قاسية ، إلا أن ما شجعه على هذا التدخل هو تجربة التدخل الروسي في أوكرانيا التي انتهت بصمت غربي يشبه الهزيمة يمكن أن تتكرر في سوريا في ظل الإنكفاء الأميركي عن التدخل في الأزمة السورية لإيجاد حل سياسي لها.