إكسر حاجز الصمت وإفتح  ثغرة في جدار الخوف وأطلقها صرخة مدوية / ارحلوا فلا مكان لكم بيننا فلستم منا ولسنا منكم ولا أنتم من طبقتنا ولا نحن من طبقتكم ، طلعت ريحتكم النتنة وملأت أركان المكان وربوع الوطن فأزكمت الأنوف التي لم يعد ينفع معها أيّ نوع من الكمامات وانكشف النفاق في كلامكم والدجل في أحاديثكم والكذب في وعودكم والذي بات مبعثاً للإشمئزاز في النفوس وعاملاً يحرك لواعج القيء...

ارحلوا لأنكم خنتم الأمانة ولا مكان للخونة بيننا ، ارحلوا لأنكم سرقتم لقمة العيش من أفواهنا وسلبتم بسمة الفرح من وجوه أطفالنا وصادرتم حريتنا في التعبير عن أرائنا وأفكارنا... ارحلوا قبل ان يجرفكم تيار البؤس والألم والجوع والمعاناة والفقر ويلقي بكم بين نفايات فضلاته بعد أن ألقى بكم التاريخ على مزابله ارحلوا... ارحلوا.... ارحلوا... /

بهذه الصرخة انطلقت كرة الحراك المدني والاحتجاجي في وجه مافيات السلطة التي صادرت كافة مقدرات البلد الإقتصادية منها والمالية والسياسية والإجتماعية والمعيشية بإسم الطائفية والمذهبية تارة وباسم الحزبية تارة أخرى .

والتي لم تكن إلا ذرائع فاضحة تستخدمها هذه المافيات الميليشيوية لتخفي واقع الصراع الحقيقي في البلد وتحجب خلفها الدوافع المصلحية للتشبث بجنة الحكم ولإستخدام كافة الوسائل التي تخوّلها لهم سلطتهم مع إضافة منسوب هائل من العنف والقوة والحقد ، ولو أدى ذلك إلى القتل وإزهاق الأرواح وملء الشوارع بدم الأبرياء ، وذلك دفاعاً عن مراكزهم وحماية لمصالحهم ، ومدفوعاً بمخزون كبير من الغوغائية والكراهية البشعة .

فالصراع في لبنان وإن كان إدراك حقيقته ما زال عصي على تفكير الكثير من الناس نتيجة الغلاف المذهبي والطائفي الذي حجب رؤيته بوضوح ، إلاّ أنّ ملامحه طفت على سطح المشهد المطلبي في ميدان الإحتجاج في وسط العاصمة بيروت خلال الأيام القليلة الماضية ، وهو أنّ الصراع وقبل أي شيء آخر هو صراع طبقي بين طبقتين ، طبقة حاكمة غنية وطبقة محكومة فقيرة ومعدومة ، وبدا ذلك من خلال بعض الإشارات المضيئة التي ظهرت في صلب الحدث المطلبي ومنها :

-   التنوع المذهبي والطائفي الذي اتسمت به الحشود المشاركة في الحراك  الإحتجاجي ، والعفوية في توجيه سهام الإتهام إلى حراس الهيكل على اختلاف تلاوينهم وانتماءاتهم وتنوع مشاربهم . 

-   الحجم الهائل من الخوف والقلق والهلع الذي سيطر على أركان السلطة جراء هذا الحراك وتزايده يوماً بعد يوم والذي دفع بهم إلى تجاوز خلافاتهم والقفز فوق تناقضاتهم وتخطي اصطفافاتهم السياسية والمسارعة إلى حشد قواهم مجتمعين ليطلقوا نفير المواجهة مستخدمين أقسى درجات القوة المفرطة .

-   الأصوات التي صدحت بها حناجر المشاركين والرافضة لأي شكل من أشكال الخلاف الطائفي والتمزق المذهبي .

-   الجدار الإسمنتي الذي أقيم للفصل بين السراي الحكومي والمتظاهرين ، وإن تمت إزالته لاحقاً ، إلاّ أنّ له معنى وهو أنّ هذا الجدار يشكل حاجزاً معنوياً يفصل بين طبقتين ، طبقة حاكمة صادرت مقدرات البلد فأثرت واغتنت على حساب طبقة عامة الشعب التي جاعت بما متعت به الطبقة الحاكمة .

 

وعليه يمكن القول بكل ثقة وبالفم الملآن أنّ الصراع في لبنان هو صراعاً طبقياً وليس صراعاً طائفياً أو مذهبياً أو سياسياً ، وإن كانت الطائفية تستخدم وباستغباء للتغطية على سرقة أموال الناس ، ذلك أنّه وعندما يشعر أي زعيم من زعماء الطوائف وعند تقاسم الجبنة أن حصته من هذه القسمة لا ترضي جشعه وأطماعه يستصرخ الطائفة تحت شعار حقوق الطائفة المهدورة ، فتصدح المآذن وتقرع الأجراس / يا غيرة الدين الطائفة في خطر / إلى أن يتم إعطاؤه ما يرضيه ، عندها تستعيد الطائفة ما ضاع لها من حقوق وينتهي الأمر بشيك يضاف إلى رصيد الزعيم أو بتعيين أحد أزلامه أو محاسبيه في الموقع الذي يليق بزعامته .

فيما باقي مكوّنات الطائفة لا ينالهم سوى المزيد من القهر والحرمان  والمزيد من التسكع على أبواب الزعامات والمزيد من الحقد والكراهية لباقي الطوائف.

وبالمناسبة فإن المسيحيين لن يستعيدوا حقوقهم المهدورة إلاّ بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية ودون ذلك تبقى حقوقهم ضائعة ، وهذا يعطي صورة واضحة عن الواقع اللبناني .

إن أروع ما ينتجه هذا الحراك المطلبي هو بداية  إزالة الغبار الذي حجب الرؤية عن حقيقة الصراع في البلد قبل إزالة النفايات ، ليظهر جلياً أنّ الصراع  هو صراع طبقي وليس صراع طائفي أو مذهبي أو سياسي أو حزبي .