كشفت مواقف الرئيس نبيه بري مدى قربه من أفرقاء 14 آذار ومدى البعد الشاسع بينه وبين فريق 8 آذار في مواضيع وعناوين متعددة يقف في مقدمتها مسألة القتال في سوريا وانتخاب رئيس وسطي ليستبعد في ذلك  كل من الجنرال عون والدكتور سمير جعجع .

تمايز نبيه بري عن فريق 8 آذار ليس بجديد إذ أنّه تمسّك بالتحالف مع الرئيس رفيق الحريري رغم وقوف حليفه الأساسي ضدّ المشروع الذي يمثله الحريري وقاد معه الإنتخابات النيابية في تحالف متين وثابت من بيروت إلى الجنوب وكان حلفاؤه آنذاك يخوضون تحالفاً نيابيّاً مخالفاً لتحالفات الرئيس بري .

حتى في السلطة أصرّ الرئيس بري على ضرورة بقاء الحريري في رئاسة الحكومة وفي المعادلة الإنتخابية أثناء اختلاف سوريا مع رفيق الحريري وتعميمها  لموقف اخراج الحريري من السلطة ولمحاربته انتخابياً .

أوّل من دعا إلى استيعاب سعد الحريري وريث أبيه السياسي كان الرئيس بري ومازال يجهد لإفهام حلفائه من المعترضين على وجود الحريري الابن في السلطة بضرورة تقاسم الشراكة الطائفية مع تيّار الحريري وكان حوار الطرشان بين حزب الله وتيّار المستقبل فاتحة جديدة تلاها الرئيس بري لتصحيح الخلل في العلاقة السُنية – الشيعية المأزومة .

كانت الإستحقاقات الإنتخابية النيابية والرئاسية معضلة دستورية وأمنية وبنباهته المعتادة توصّل الرئيس بري إلى " ديل " مع الرئيس سعد الحريري كان لصالح الحريري إذ مُدّد من خلاله للمجلس النيابي وتمّ الإبقاء على كتلة تيّار المستقبل المهددة انتخابياً بعد أن ضعُفت كثيراً في الساحة السُنية لصالح  تيارات الإسلام الجهادي السُني وهكذا منح الرئيس بري جماعة 14 آذار فرصة البقاء في المجلس النيابي كأكثرية مضبوطة بكماشة الزعيم وليد جنبلاط .

في الإنتخابات الرئاسية تقاطع أيضاً الرئيس بري مع جماعة 14 آذار لجهة عدم تبني الجنرال عون مرشحاً للرئاسة في حين أنّ فريق 8 آذار أعلن وعلى لسان أمينه العام أنّ ميشال عون ممر إلزامي للإنتخابات الرئاسية في حين أنّ الرئيس بري أعلن بشكل واضح أن ميشال عون ممر غير آمن للإنتخابات الرئاسية واللبنانيون جميعاً يعلمون مدى الهوة القائمة بين الرابية وعين التينة في حين أنّ حلف حزب الله والتيّار الوطني يكاد أن يكون أعمق بكثير من تحالف أمل – حزب الله .

لا نريد استحضار ما كشفت عنه الوثائق السرية من مواقف للرئيس غير منسجمة تماماً مع فريق 8 آذار وملتقية في كثير من النقاط مع جماعات 14 آذار فمواقف الرئيس الغير ملتبسة من القتال في سوريا إلى تمسكه بالعلاقات العربية والخليجية تحديداً والسعودية خصوصاً في الوقت الذي نعت فيه جهات في 8 آذار العلاقات مع العرب عموماً ودول الخليج خصوصاً وحفروا لهم مقابر على حدود الدول الممانعة .

نجح الرئيس بري في أن يكون لبنانيّاً في الزمن الذي تسيطر عليه الهوية الطائفية والمذهبية الضاغطة رغم تمثيله لطائفة وقيادته لحركة مذهبية ونجح في أن يكون عربياً في الوقت الذي تمّ  فيه الفرز الحادّ فإمّا أن يكون مع المحور العربي وإمّا  أن يكون مع المحور الايراني ونجح أيضاً في أن يكون رجل دولة تنظر اليه الدول الغربية كصمام أمان لبقاء الدولة في لبنان بعد أن نشأت الدويلات الطائفية والمذهبية كبدائل أقوى من السلطة المركزية .

لم يحشد الرئيس بري طائفته أو من معه ورغم قدرته الفعلية على الإمساك بمفاصل البلد يوم قرّر الأولاد في السياسة من جماعة 14 آذار عدم انتخاب الرئيس بري لرئاسة المجلس النيابي كما يفعل اليوم ميشال عون الذي يحرض طائفة للحصول على حقه في الرئاسة كما يزعم رغم ما أصابها من خيبات مرّة نتيجة لسياسات المارونية السياسية التي أوصلت البلاد والعباد الى جهنم الحرب الأهلية .