إذا كانت محاربة الإرهاب أمر لا بد منه. وهي حرب فرضت على العالم. إلا أنه من الضروري أن تأتي ضمن استراتيجية دولية واقليمية واضحة المعالم.

والا تكون حربا عمياء كي لا تنتهي الأمور إلى كوارث قد تدفع اثمانها الشعوب في الدول المعنية بهذه الظاهرة الخطيرة.

لكن حتى اليوم ومنذ أن أعلنت الإدارة الأميركية حربها على الإرهاب في العراق وسوريا لا يبدو أن هناك وضوحا في الاستراتيجية الأميركية في هذين البلدين.

فواشنطن تجمع بين المتناقضات في ما تقوم به على هاتين الساحتين.

ففي العراق تتعاون إدارة أوباما مع إيران والميليشيات الشيعية لمحاربة داعش. على الرغم من أن هذه السياسة تستعدي السنة العرب الذين يشكون من التهميش في عراق ما بعد الغزو ويتخوفون من سياسات تقوية الميليشيات الشيعية في ظل تصاعد النبرات الطائفية والمذهبية. والتي قد تدفع بالبعض من سنة العراق للانضمام إلى الدولة الإسلامية المزعومة.

والإدارة الأميركية تدرك هذا الأمر لذلك تدعو ( وأن كانت لا تضغط بشكل كاف ) إلى إشراك السنة العرب في الجهود لمحاربة الإرهاب خصوصا وهم الذين تمكنوا في الماضي من دحر القاعدة وإخراجها من مناطقهم.

أما في سوريا فإن الأمور تبدو مختلفة وضبابية ويكتنفها الكثير من الغموض ومليئة بالمتناقضات. فادارة أوباما تقاتل ضد نفوذ ومصالح من تتحالف معهم في العراق وتتعاون مع خصوم بشار الأسد الذي يتلقى الدعم من إيران ومن حلفائها في لبنان والعراق.

إذ أن هناك من يتهم واشنطن بأنها في تركيزها على هدف محاربة داعش والقضاء عليها في سوريا فإنها لم تعد متحمسة لسقوط النظام السوري في الوقت الراهن على أساس أن الحركات المتطرفة والارهابية هي التي تتحرك لملء الفراغ الذي سيحدث خصوصا في ظل ضعف وتشتت المعارضة المعتدلة.

وهناك عامل آخر في سوريا يقلق واشنطن وهو أن أحداث سوريا تجري قريبا من إسرائيل. وأي فوضى مسلحة ستكون لها انعكاسات ومخاطر أمنية كبيرة.

وعليه فإن واشنطن قد تتفاهم مع الإيرانيين وتتعاون مع حلفائهم من الميليشيات الشيعية في الحرب على داعش في العراق لكنها تبقى حذرة منهم عندما يتعلق الأمر بسوريا سيما وأن إسرائيل القلقة من الاتفاق النووي مع طهران لن تسكت عن أي تفاهم بين واشنطن وطهران في سوريا.

ومن الواضح أن سياسة التناقضات الأميركية في سوريا جعلتها تقبل اخيرا مطالب تركيا في انشاء منطقة آمنة او بالأحرى منطقة عازلة على الحدود الشمالية لسوريا.

إلا أن الإشكالية بين واشنطن وانقرة حول هذه المنطقة العازلة. هي أن واشنطن تريدها منطقة خالية من داعش بينما تريدها أنقرة حاجزا أمام تمدد الطموحات الكردية وأي تفكير في بروز كيان كردي جديد على حدودها.

وبمقتضى التفاهم الأميركي التركي الجديد فإن أنقرة تسمح للطائرات الأميركية بالانطلاق من قاعدة انجرليك التركية للاغارة على مواقع داعش وخصوصا في منطقة الرقة السورية.

في مقابل شن الطائرات التركية غارات على المناطق الشمالية لسوريا وهي غارات تستهدف بالأساس مواقع كردية ومراكز يتحرك فيها حزب العمال الكردستاني.

والمفارقة أن تركيا في حربها على الأكراد فإنها تقدم خدمة لداعش. لأن الأكراد قاموا بدور كبير في الحرب على الدولة الإسلامية المزعومة وقاتلوها بشراسة في مناطقهم.

قد تحقق واشنطن بعض المكاسب الآنية باتباعها سياسة الجمع بين المتناقضات في الحرب على داعش لكنها بالتأكيد لن تحقق الاستقرار المطلوب في المنطقة.

بل تصب المزيد من الزيت على نار الخلافات المذهبية والطائفية والصراعات والحروب الدائرة في دول المنطقة. وهذا بالتأكيد لن يؤدي إلى القضاء على الإرهاب بل على العكس تماما فإنه قد يخلق ظروفا تجعل الإرهاب ينمو مجددا بعنف أشرس مما سبق..