قد  لا يكون هناك إتفاق استغرق المدى الزمني من المفاوضات وأخذ هذا الحيز الواسع من التعليقات والتحليلات ما استغرقه وأخذه الإتفاق النووي الإيراني .

وإنّ أحداً لا يستطيع أن ينكر أنّ الإتفاق شكل جسر العبور إيران للدخول إلى النادي النووي الدولي ، وكان بمثابة الباب الذي يمكّنها من الخروج من عزلتها ومن الحصار المفروض عليها إلى رحاب العالم والإندماج في المجتمع الدولي ، والتعاطي معها على أساس أنها دولة قوية ومحورية على المستويين الإقليمي والدولي وأن تكون جزءاً من الحلول للعديد من القضايا في المنطقة العربية وفي غير منطقة ، لا أن تكون جزءاً من المشاكل والأزمات .

لا شك أنّ إيران من خلال التوقيع على إتفاقها النووي مع الدول الغربية الست وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية حققت مكسباً كبيراً بحصولها على إعتراف دولي بأنّها أصبحت دولة نووية ، وكذلك فإنّ الدول الغربية تمكنت من تحقيق إنجاز وهو حرمان إيران من امتلاك القنبلة ولو على المدى المنظور ، إلاّ أنّ هذا المكسب الذي حصلت عليه طهران لا يعني أنّه هو كل ما كانت تسعى إليه .

فالإيرانيون الذين دخلوا المفاوضات مسلحين بمخزون كبير من الإصرار والمثابرة والصبر وطولة البال واستخدام الدبلوماسية بأعلى مستوياتها والبراغماتية بأرقى صورها حتى تمكنوا من التوقيع على الإتفاق بعد التأجيل لعدة مرات كانوا يسعون إلى تحقيق هدف يتجاوز الحصول على بطاقة تخولهم الدخول إلى النادي النووي .

وهذا الهدف ينحصر في ثلاثة أبعاد وهي :

 أولاً : ترميم سمعة نظام ينهار من الداخل .

ثانياً : إنعاش النظام الايراني على المستوى الإقتصادي .

ثالثاً : وهو البعد الأهم ويرمي إلى الإعتراف بنفوذ إيران في الإقليم وأن أي ترتيبات إقليمية لا بد أن يكون لإيران رأي فيها وهذا البعد وهو الذي يشكل النقطة الجوهرية التي تهم العالم العربي ، بإعتبار أنها تسمح لإيران بإطلاق يدها ومد نفوذها في غير دولة عربية مثل لبنان وسوريا والعراق ..

وفي الجانب العربي فإنّ ما يهم العرب ليس نفوذ إيران النووي في المستقبل فهذا يقلق إسرائيل والدول الغربية ، لكن ما يدفع ثمنه العرب اليوم هو تأثير نفوذ القوة التقليدية الإيرانية المتمثلة بالأذرع الممتدة إلى خارج الحدود لتشكل التفاصيل العسكرية في المشروع الإيراني التوسعي والتي تعتبر عامل إثارة للأزمات وإشعال للحروب في الدول العربية خدمة لهذا المشروع .

والمرشد الأعلى السيد علي الخامنئي كان واضحاً في تصريحاته الأخيرة حين قال أنّ الحديث عن النووي شيء وتحالفات إيران الإقليمية شيء آخر .

وعليه فإنه رغم التطمينات الغربية وخصوصاً الأميركية للدول العربية فإن الاتفاق يشكل مصدر قلق للعرب وعلى وجه الخصوص لدول الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية .

وعلى هذه الخلفية فإنّ التقارب السعودي الروسي يبدو وكأنه مقدمة لتحالف الدولتين ، سيما وأن رفع الحظر عن تصدير البترول الإيراني بموجب بنود الإتفاق سيؤدي إلى إغراق الأسواق العالمية بهذه المادة الحيوية مما يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في أسعار النفط بحيث أن سعر البرميل قد يتدنى إلى أربعين أو خمسين دولار للبرميل ، وهذا يؤثر بشكل سلبي على السعودية وعلى روسيا وحتى على الإقتصاد العالمي ، وكأنّ هناك محاولة لتركيع روسيا .

لذا فقد تكون صفقة العشر مليارات دولار من السعودية  لروسيا عربون صداقة قادمة بين الدولتين .

من هنا يمكن القول أنّ الجانب المخفي من الإتفاق أكبر بكثير مما قد تمّ الإعلان عنه، ومنطقة الشرق الأوسط بعد هذا الإتفاق غيرها قبله .

والمطلوب من العرب التعامل مع الإتفاق والدول الراعية له بالكثير من الحذر والقليل من الثقة .