من يتابع الرئيس تمام سلام هذه الأيام، يُدرك أنّ الأزمة التي قطعها بنجاح في مواجهة المعركة العائلية للعماد ميشال عون، والتي لم تنتهِ فصولها بعد، جعلته ينتقل من موقع مدير الأزمة إلى موقع المبادر.

من يلتقِ الرئيس سلام يلاحظ أنّ الرجل جاهز للمواجهة الجديدة، بوضوح في الرؤية، واستعداد يفوق الجولة السابقة بأشواط.
يشعر سلام أنه كسب جولة كبيرة، ربما ساهم العماد نفسه بإهدائه إياها من خلال الأداء السيّئ الذي مارسه الوزير جبران باسيل على طاولة مجلس الوزراء، هذا الأداء الذي انعكس حصاراً حقيقياً في الجلسة ضرب حول باسيل من معظم الوزراء الحلفاء منهم والخصوم.

يروي سلام أمام زواره بعضاً مما جرى ويأسف لهذا الأداء. بعد الهوشة أمام الكاميرات استمر باسيل لمدة ساعة بالمشاغبة والكلام والصراخ من دون توقف، ولم يسكت إلّا بعدما بدأ الوزير حسين الحاج حسن مداخلته... إنها رهبة «حزب الله» التي وحدها تسكت من يفترض إسكاته.

يعترف سلام بأنه دلَّل باسيل كثيراً، كانت العلاقة ممتازة في التنسيق قبل الجلسات وخلالها، ويعترف أنه فوجئ بتخطّي وزير الخارجية كل الأصول في الجلسة، «ولم يكن أمامي إلّا أن أقوم بما قمت به صوناً للصلاحيات، ومنعاً من الاستغلال، فهذا السلوك مدان ويُعبّر عن إفلاس شديد، وخصوصاً أنه ترافق في الخارج مع اتهامي من «التيار الوطني الحر» بأنني داعشي».

يضيف سلام: «أنا متأكد من خلال ردود الفعل التي وصلتني أنّ المسيحيين لم يكونوا راضين عما قام به «التيار الوطني الحر»، على سبيل المثال اتصل بي أصدقاء عونيون كثر يقولون نحن معك».

يقرأ سلام في كتاب حكومته، ويدرك معنى استمرارها داخلياً وخارجياً. في الداخل يشعر أن لا أحد من الأطراف المؤثرة وخصوصاً «حزب الله»، يريد إسقاط الحكومة أو تعطيلها، وخارجياً يروي قصة ذات مغزى كبير، يقول: بعد الشغور الرئاسي اتصل بي الرئيس الأميركي باراك أوباما، فانقطع الاتصال الأول، فعاود الرئيس الاتصال مرة لينقطع الاتصال، ثم عاود، وسمعت منه كلاماً يؤكد استمرار عمل الحكومة تجنّباً للفراغ».

يتساءل سلام أمام زواره بشيء من الجزم: ماذا يدفع رئيس الولايات المتحدة الأميركية إلى القيام بذلك، إلّا الحرص على عدم وقوع لبنان في الفراغ والتعطيل؟

ويضيف: لا أحد في الداخل أو الخارج يريد الوصول إلى التعطيل في العمل الحكومي، فهذا يعني أن لبنان دخل لا سمح الله في دائرة الخطر، وأنا من موقعي لن أسمح بذلك أبداً، فأنا مؤتمن على استمرار عمل الحكومة، حتى تحقيق هدفنا جميعاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، عندها تكون الأمانة التي تسلمتها، قد أصبحت في مكان آمن، وعندها ينتظم عمل المؤسسات الدستورية.

يستغرب سلام من يتّهمونه بمصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية ويقول: لقد عشت كرئيس للحكومة تجربة التنسيق مع الرئيس ميشال سليمان، كانت تجربة مميزة أضافت قوة للمؤسسات، فرأس الدولة هو الموقع المؤتمن على الدستور، ووجوده يعطي المؤسسات قوة كبيرة، ويؤمّن انتظام عملها، ولا يمكن لأي رئيس حكومة أن يختصر صلاحيات أحد، لا بل إنّ موقع رئاسة الحكومة يتعزّز بوجود رئيس قوي على قاعدة التكامل المؤسساتي، ولا أخفي أن أول أولوياتي على رأس هذه الحكومة هو المساعدة في ملء الفراغ اليوم قبل الغد.

يقوم سلام بجردة حساب بما يشبه النقد الذاتي، فيقول: هل أتحمّل مسؤولية فيما وصلنا إليه؟ ثم يستطرد: سميت رئيساً للحكومة من بيت الوسط، وفور ذلك شكرت القوى السياسية التي سمتني، وقلت أنا رئيس حكومة كل لبنان. لقد بذلت كل شيء لكي أتفادى المشكلة لكن عبثاً. تمسكت بآلية التوافق على اتخاذ القرارات، لكي نتفادى التصويت، ولكي يشارك الجميع في إنتاج قرارات الحكومة بالتوافق.

منذ فترة حاولوا ابتداع مشكلة عبر طلبهم تقويم عمل الجيش في البقاع بمواجهة المسلّحين، فتعمدت زيارة وزارة الدفاع وشاركت في غرفة العمليات في معاينة جهد الجيش في الدفاع عن الحدود اللبنانية، فاطمأننت إلى ما تقوم به المؤسسة العسكرية، ولست بحاجة هنا لأكشف تفاصيل ما شاهدت من احتراف وقدرة وقوة لدى الجيش، فهذا شأن العسكريين، فما نحن بحاجة إليه هو دعم الجيش لا التشكيك فيه.

يستعد سلام للمرحلة المقبلة والجلسة المقبلة بهدوء وحزم: بين كل عبارة وعبارة يكرّر: «منفتح على كل الحلول، لكن لن أقبل بتعطيل الحكومة».