حضر الحوار «القواتي» ـ «العوني» أمس في بكركي في جمعة الآلام، فالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي المرتاح الى الاسترخاء الذي أنتجه هذا الحوار في الوسط المسيحي والمُستاء من الفراغ الرئاسي، حرص على الاستفسار من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع عن هذا الحوار، ولكن من زاوية أخرى.

اشتكى الراعي من «أنّ البعض يقول «إنّ رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون «يتذرّع» باستمرار هذا الحوار، لعدم المشاركة في جلسات الانتخاب، بحجّة أنه يجب الانتظار حتى نهاية هذا الحوار، وإنه موعود بالوصول الى نتيجة مع جعجع.

أجاب جعجع ببعض التملّص وكان واضحاً: «سأستمرّ في التفاوض مع العماد عون، فهذا الحوار خفّف التشنّج في الشارع المسيحي، وفي الوقت نفسه سأستمرّ في المشاركة في جلسات مجلس النواب، ولا استطيع أن أفرضَ على أحد أن يشارك، فالتعطيل هو مسؤولية فريق 8 آذار».

ردّ البطريرك الراعي قائلاً: «أتفهّم موقفك، لكن يجب أن نعمل لحضّ المقاطعين على المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس، وسنعمل على ذلك، خصوصاً في ظلّ التطوّرات الحاصلة في المنطقة التي تحتّم انتخابَ رئيس في لبنان».

هذه العيّنة من النقاش الذي جرى بين الراعي وجعجع، تعكس قلقَ الكنيسة من استمرار التعطيل في انتخابات الرئاسة، ومِن تحوّل الحوار بين جعجع وعون واجهة يختبئ الأخير خلفها للاستمرار في تعطيل انتخابات الرئاسة.

ويعكس جواب جعجع على الراعي، تنصّلاً من مسؤولية الحوار عن استمرار التعطيل، فجعجع حمّل فريق 8 آذار بكامله المسؤولية، وأكد الاستمرار في الحوار مع عون وفي النزول الى جلسة الانتخاب في آن. وبعيداً من بكركي تستمرّ اللقاءات بين النائب ابراهيم كنعان وملحم رياشي، تحضيراً للانتهاء من «إعلان النيات»، بعدما سلك الطريق بين الرابية ومعراب بما يشبه رحلات إبن بطوطة.

سيشهد الاسبوع المقبل رحلة هذا الاعلان من معراب الى الرابية وقد لا تكون الاخيرة، حيث أضاف اليه جعجع بعض العبارات، فيما يُنتظَر أن يدرسه عون للمرة العاشرة، وربما يصحّح بدوره عبارات جديدة لكي يعود الإعلان الى معراب.

يعيش الحوار بين جعجع وعون على رغبة مشترَكة ومصلحة مشتركة باستمراره. لا أحدَ من الطرفين، يصدّق أنه سيصل الى النتيجة المرجوّة، ولا أحدَ يعمل على ذلك. حدود هذا الحوار استفادة متبادَلة، ومدروسة. فكما قال البعض للراعي، فإنّ عون يتذرّع بالحوار، ليغطّي تعطيله للانتخابات، أما جعجع فلا يمانع في كسر «العداء العوني»، من دون أن يعطي عون مكسَباً كبيراً، بدليل أنّ النقاش في الاستحقاق الرئاسي بين الطرفين يدور في مكانه.

فلا جعجع تراجع عن «الفيتو» الذي وضعه على عون، إلّا في حال تراجع عون عن تحالفه مع حزب الله، ولا عون يصدق أنّ جعجع سينتخبه رئيساً، لأنّ الاخير يعرف أن ليس لدى عون القدرة على الابتعاد عن حزب الله.

لم يبقَ لهذا الحوار إلّا الاحتفاء ببعض الانجازات «الكبيرة»، كإسقاط الدعاوى المتبادَلة التي أغرق «العونيون» و«القواتيون» القضاء بها منذ العام 2005 (150 دعوى)، وحال الوئام الطارئة في الجامعات والمدارس، حيث بات رؤساء المصالح الطلابية لدى الطرفين، شيوخَ صلح، يهرعون الى فضّ أيّ اشتباك في مهده،

والهدنة الاعلامية والسياسية التي أخرست الرؤوس الحامية التي كانت تشتمّ من على المنابر وفي وسائل الاعلام، وكلها انجازات لا يصحّ إعطاؤها حجماً يفوق معناها الحقيقي، فهي يمكن أن تكون مجرّد هدنة بين شوطين، فيما يبقى الخلاف السياسي قائماً بلا تعديل، لا بل إنّ التطوّرات في المنطقة تأتي لتعطي هذا الخلاف في الخيارات أبعاداً جديدة، ستتولّى المرحلة المقبلة تظهيرها.