بعد كتابيّ القاعدة : التنظيم السري, وما بعد بن لادن : القاعدة , الجيل التالي , تابع عبد الباري عطوان , وعن كثب , الكثبان المتحركة للتنظيمات الجهادية في العراق وسورية , واستطاع الوصول باكراً الى جحورهم قبل قيام الدولة الاسلامية وبعدها ليجمع معلومات أساسية من مصادر مباشرة عن جذور" داعش " وأسباب توحشها وعن مستقبل دولة التنظيم الذي شكل ظاهرة سريعة أرعب الواقع ببعديّه الاقليمي والدولي وحقق بسرعة الضوء قيام دولة بمساحة توازي مساحة المملكة المتحدة وتمتد عبر أراض شاسعة على جانبي الحدود في كل من العراق وسوريا ويعيش تحت سقف هذه الدولة أكثر من ستة ملايين من المواطنين الذين يتجاوز عددهم عدد سكان بعض الدول الأوروبية مثل الدنمارك وفنلندا , ويضيف الكاتب عطوان في كتابه: الدولة الاسلامية ( الجذور, التوحش , المستقبل ) ان ظهور هذه " الدولة " تجاوز في أهميته " الربيع العربي " لأنه , كالبركان الذي يثور تحت البحر , وقد أنتج جزيرة جديدة في وسط بحر أوسطي هائج بلُجج مشتعلة بكبريت من الخلافات العربية – الاسرائيلية والعربية – العربية .

 

عندما هُددت "أربيل " وخاف الغرب على سقوطها بأيدي تنظيم الدولة الاسلامية , حزمت الولايات المتحدة أمرها وقررت التدخل العسكري ضدّ "داعش " بالدعوة الى قيام حلف دولي يعيد ما حصده التنظيم من نتائج سريعة لم تكن بحسبان أحد على الاطلاق .

 

كانت فرنسا قد سبقت الولايات المتحدة في استشعارها لخطر " داعش " , عندما أخذت زمام المبادرة الدبلوماسية  في مؤتمر ترأسه هولاند وحضره وزراء 20 دولة وفيه قال الرئيس الفرنسي : التهديد عالمي والردّ يجب أن يكون عالمياً أيضاً , ووافقت 10دول عربية فوراً على الالتحاق بالمبادرة الفرنسية . ومن ثم تشكل تحالف بقيادة أمريكا  ضم 40 دولة راغبة بمواجهة " داعش " .

 

عندما بدأت الولايات المتحدة عملها الدولي ضدّ تنظيم الدولة أحدثت الضربات نتائج فورية أدّت الى تراجع " داعش" عن أراض كان التنظيم قد سيطر عليها حول " أربيل " والى انتزاع سدّ الموصل ذي الأهمية الاستراتيجية بعد معركة عنيفة . وكان مقاتلوا التنظيم قد هددوا بتفجير السدّ الأمر الذي كان سيؤدي لو حصل الى نتائج كارثية بما في ذلك ابادة قرابة 250 ألف شخص من سكان المناطق المهددة اذا انهار سدّ الموصل .

 

ان خسارة التنظيم لسدّ الموصل ولأراض حول " أربيل " دفعه الى التعويض عنها بربح في سورية فسيطر على مطار الطبقة آخر معاقل النظام في ولاية " الرقة" بعد أن استولى على قاعدة عسكرية غنم منها صواريخ أرض – جو قادرة على اسقاط طائرات بلا طيّار ومروحيّات وطائرات مقاتلة , ومن ثم واصل التنظيم زحفه باتجاه حلب .

 

هذه المعادلة في الخسارة والتعويض عنها بسرعة خاطفة دفعت بالخبراء العسكريين الاقليميين الى الاجماع على صعوبة التصدّي لتنظيم الدولة من خلال الغارات الجوية لأنها  آلية غير كافية لتحقيق الهزيمة  كما كان حال نتائج الغارات والحملات العسكرية الجوية في أفغانستان واليمن وباكستان والتي حالت ودون القضاء على تنظيم " القاعدة " وشبكاته المقاتلة .

 

وانسجاماً مع هذا الاجماع ,اقترحت الولايات المتحدة اعادة تأهيل الجيش العراقي, وتحسين قدراته القتالية في محاولة جديدة منها, بعد أن دربت 800ألف جندي عراقي, وأنفقت من أجل دلك 25 بليون دولار, وكانت النتيجة هروباُ ساحقاً مع دخول جيش " الدولة الاسلامية " الى قلب الموصل ,  حيث انهزم 30 ألف جندي عراقي من قبل حدوث المعركة .

 

وهن الجيش العراقي كان مساوقاً للنظرة الأمريكية في بدايات تحرك "داعش" اذا وصف أوباما تنظيم الدولة كفريق رياضي يضم مجموعة من اللاعبين الجامعيين المبتدئين في لعبة كرة السلة , ومعتقداً بأنهم مجرد فرع متمرد على تنظيم " القاعدة " , ولم يُبدل الرئيس الأمريكي من وجهة نظره هذه الاّ بعد أن حصد تنظيم الدولة ما حصد في سورية والعراق وبسهولة وبدون مواجهة تُذكر من قبل الجيشين السوري والعراقي .

 

هذا الفريق- بحسب قول الرئيس الامريكي - كان جيشاً أنشأ دولة نتج أموالها بنفسها بعد أن أطبقت سيطرتها على آبار النفط في العراق وسوريا وهذا ما جعل التنظيم مستقلاً تماماً في قراره, وقد أشارت وزارة الخزانة الأمريكية الى أن " الدولة " تمكنت من جمع ثروة بسرعة هائلة غير مسبوقة من خلال عائدات حقول النفط والمصافي اضافة الى الغنائم وتجارة السلاح ونهب البنوك وأموال الفدية التي تحصل عليهم لقاء الافراج عن رهائن تحتجزهم .