لم يحتفل لبنان بعيده الوطني في غياب رئيس الجمهورية التي تمزقها النزاعات المتلاحقة منذ الحرب التي انتهت عام ١٩٥٨ بشعار صائب سلام "لا غالب ولا مغلوب". في الحقيقة كان هناك دائماً مغلوب واحد هو لبنان الوطن والدولة والشعب العنيد الذي يحازب ولا يحاسب.   هذه المقدمة لا تكتشف البارود، إنها تبرم السكين في جروحنا، لكنها بدت لي ضرورية كمازوشية سياسية ووطنية، خصوصاً وأنا أقرأ تصريحات المسؤولين في دولة الامارات اول من امس لمناسبة العيد الوطني، الذي احتفلوا به على عادتهم عرساً وطنياً شاملاً، شكّل محطة مضيئة في مدلَهم الاقليم تقريباً. غلب على هذه التصريحات نَفَسٌ من الاعتزاز وشعور بالفخر، في سياق وعد وعهد متجددين بالمضي في تلك الطريق التي رسمها المؤسسان الشيخ زايد والشيخ راشد قبل ٤٣ عاماً لجمع سبع إمارات في دولة عصرية حيوية تسابق العصر وتشكل علامة فارقة في تاريخ عربي كيمياؤه ضد الوحدة، ولتكون واحدة من اهم دول القارة الآسيوية واللؤلؤة الخليجية التي تثير اعجاب العالم. قبل عشرين عاماً كانت الرمال الحارقة تغطي شارع الشيخ زايد الذي يشكّل الشريان الرئيسي بين دبي والعاصمة ابو ظبي، واليوم صار أحد أبرز الطرق العصرية في العالم وتنتصب عند "ضفتيه" عمارات وابراج حديثة تضاهي مانهاتن. وقبل خمسين عاماً كان لبنان بلداً واحداً ويكاد يكون اليوم ٧٠ إمارة، وكانت بيروت ام الشرائع فصارت مرتعاً لشريعة الغاب، وكانت جوهرة المتوسط فصارت غابة الفوضى والبؤس والفلتان. لقد تعاون ابناء الشيخين المؤسّسَين في دولة الإمارات في صنع معجزة لهم وللعرب، وتصادم أبناء الاقطاعيات والدكاكين السياسية عندنا ليجعلوا من لبنان دائماً حلبة للملاكمة تتناثر فوقها قطع الوطن الممزق ودماؤه النازفة ابداً... وفتّش دائماً عن المسؤولين، فمنهم من يكتب تاريخاً فوق الرمال وينبت دولاً تجعل الصحراء جنّات، ومنهم من يدفن تاريخاً مع رأسه في الرمال ويمزق دولاً كالجنة تصير قاعاً صفصفاً. يتسع المجال لأكثر من برم السكين في الجرح، يتسع لكثير من الغبطة نوجهها الى اشقائنا في دولة الإمارات وبكثير من الإفتخار بما فعلوه وبما هم ماضون إليه من إنجازات، نهنئهم بأن دولتهم الثالثة عالمياً في الاستقرار الأمني وبيئة الأعمال، والرابعة عالمياً في جودة البنى التحتية للنقل الجوي، والخامسة عالمياً في كفاءة إدارة الموارد المالية الحكومية [بالمناسبة نحن أوائل في كفاءة السرقة والفساد]. لا يمكن إيراد كل الانجازات الرائعة التي حققوها، لكن للعلم فحسب يدخل المواطن الاماراتي ٥٦ بلداً في العالم من دون تأشيرة، ويتسوّل اللبناني سفارات ١٥٦ بلداً ليحصل على تأشيرة... ومع الاعتذار من اللبنانيين القاعدين أقول: إبحثوا عن قادة وعن شعب يحاسب القادة.