تتردد مصطلحات كثيرة في الآونة الأخيرة: التحاليل المخبرية، المختبرات، نتائج الفحوص وغيرها.

 

غير أن المواطن يسأل ما هي المختبرات المعنية بسلامة الغذاء في لبنان، ومن يراقبها؟

 

وما هي المشاكل التي تواجهها؟

 

وما هي الثغرات المحتملة التي تبينها التحاليل المخبرية التي تجرى اليوم على الأطعمة والمياه؟

 

يتناول هذا التحقيق أبرز المختبرات وأبرز التساؤلات التي يطرحها الباحثون العلميون في شأن عمل المختبرات ونتائج التحاليل المخبرية.

 

افتتح المختبر المركزي في السابع من آذار عام 1958 بدعم من الحكومة الأميركية التي قدمت المعدات ودرّبت المتخصصين.

 

ضم المختبر المركزي مختبرات عدة: الجرثومية، الكيميائية، الأنسجة، الفيروسات، بنك الدم. وكان يتبع لوزارة الصحة العامة، ولديه ميزانية مستقلة من الدولة، بلغت حينذاك مليون ليرة في السنة.

 

ارتكزت مهمات المختبر، وفق مديره السابق الدكتور جوزف حاتم، على مراقبة الأدوية المصنعة في لبنان والمستوردة، وفحص الأطعمة والمياه، ومراقبة الأمراض الانتقالية، إذ كانت ترسل المستشفيات عينات إلى المختبر. يشير حاتم إلى أن المختبر كان يفحص جميع المياه في لبنان، وقد فحص مليوني عينة خلال عشرين عاماً. وكان يفحص عينات المواد الغذائية المستوردة التي ترسلها الجمارك، ووزارة الاقتصاد والبلديات، وعينات من المطاعم والمحال التجارية التي ترسلها وزارة الصحة.

 

خضع المختبر لمعايير محلية وعالمية. وساعدته منظمة الصحة العالمية من خلال تدريب الطواقم البشرية وتحديث المعلومات. وكانت تنوي المنظمة أن تجعل المختبر مركزاً أساسياً في المنطقة لمراقبة الأدوية.

 

يقول حاتم إن المختبر كان فعالا ومهما، يزوّد وزارة الصحة بالتحاليل المخبرية والدراسات العلمية في شأن انتشار الجراثيم ومناعة الأفراد، والتسمم الغذائي وغيرها. ويتذكر حادثة تسمم مئة وخمسين عنصراً من الجيش في الستينيات. أجرى حاتم التحقيقات الضرورية وأدرك أن مصدر التسمم كان الدجاج المشوي الملوث ببكتيريا السلمونيلا. وكان البعض يصنع البوظة في البيت ويبيعها للأطفال، فيروي حاتم حادثة تسمم ثلاثين طفلاً في بيروت بسبب تلوث البوظة بالبكتيريا العنقودية. فعمل المختبر كان، وفق حاتم، مستقلاً ولم يمارس أحد عليه ضغوطاً، وكان مرجعاً علمياً للصحة العامة في لبنان.

 

أقفل المختبر المركزي في العام 2007، وبني قصر رئيس مجلس النواب على أرضه. لا يجد حاتم بدائل عن المختبر المركزي اليوم. وتعتمد وزارة الصحة على مختبرات عدة وتفتقر إلى المختبر المركزي كوسيلة أساسية لمراقبة الغذاء والمياه، ولإجراء التحقيقات في شأن الأمراض الانتقالية، إذ لا يكفي معرفة عدد الإصابات بل يجب إجراء البحوث في شأن مناعة الأفراد. وتشكل المختبرات المركزية، وفق حاتم، مرجعاً أساسياً في الصحة العامة في جميع أنحاء العالم لمراقبة الغذاء والمياه والدواء والأمراض الانتقالية وغيرها.

 

البحوث الصناعية

تأسس "معهد البحوث الصناعية" في العام 1953، ونقل إلى "مجمع رفيق الحريري الجامعي" في العام 2004. ويعمل فيه، حالياً، 160 شخصاً.

 

يضم مختبرات عدة مرتبطة بسلامة الغذاء: مختبرات للتحاليل الكيميائية، الفيزيوكيميائية، تحاليل جرثومية، تحاليل المياه، مختبر لفحص مواد التغليف والتعبئة، فحص الحبوب والدقيق والخبز.

 

يمتلك المعهد، وفق رئيس مصلحة المختبرات البروفسور جوزيف متى، القدرة على إجراء تحاليل في شأن مادة "Aflatoxin" التي تعتبر مسرطنة، والملونات الغذائية الممنوعة مثل "sudan 1..."، وبقايا المبيدات، ومادة النتمايسين، والميلامين في الحليب، وبكتيريا "E.coli 0157".

 

يقوم المعهد بمئة وعشرين ألف تحليل على نحو عشرين ألف عينة سنوياً، في ما يخص المواد الغذائية فحسب. ويقوم، وفق متى، بالبحوث العلمية لتطوير الصناعات، وبتقديم الإرشادات التقنية لتحسين الجودة والنوعية، وبالتدقيق ومنح شهادة أنظمة الجودة لإدارة السلامة الغذائية، وشهادة المنتج، وبالمشاركة في وضع المواصفات التقنية في مؤسسة المواصفات والمقاييس اللبنانية (LIBNOR)، وبالتدريب العلمي وغيرها.

 

يتعاون المعهد، وفق متى، مع مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد لمراقبة السوق المحلية، ومع وزارات الزراعة والصحة والدفاع والصناعة لتحليل العينات والمياه المعبأة ورواسب المبيدات وغيرها.

 

حصل المعهد، منذ العام 2004، على شهادة ISO 17025 لأكثر من 350 طريقة تحليل، وعلى نظام الاعتماد المرن (Flexible accreditation). ويعتبر الجهة الوحيدة غير الأوروبية، وفق متى، التي تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي لجمعيات المختبرات للقياس والفحوص والتحاليل.

 

تتعاون وزارة الصحة العامة، اليوم، مع المعهد في شأن الفحوص المخبرية. ويلفت متى إلى أن المختبرات التي تفحص الجراثيم في الطعام تختلف عن المختبرات التي تفحص الجراثيم في الدم.

 

ويصل إلى المختبر، وفق متى، عينة واحدة فحسب من المصدر الأساسي. ويقول إن العينات تصل بشروط ومعايير جيدة. تختلف نتائج الفحوص بين: خالية من الجراثيم، والجراثيم موجودة بمعدل يمكن قياسه، أو إنبات كثيف. وفي حال كانت العينة خالية من الجراثيم أو تسجل إنباتاً كثيفاً، وفق متى، لا يستلزم فحص عينة أخرى، بينما يطلب المختبر عينة أخرى إذا دعت الحاجة. وتحدد التقارير المخبرية إذا كانت النتائج مطابقة للمعايير، أو إذا كان معدل الجراثيم الموجودة ضمن المعدل المسموح به، أو أعلى من المعدل المسموح به.

 

مختبركفرشيما

تم تأسيس مختبر كفرشيما في العام 2004، ويتبع لوزارة الزراعة. يختص المختبر بفحص المبيدات وبقايا المبيدات في الخضار والفاكهة.

 

ويرسل مفتشو وزارة الزراعة والحجر الصحي على المعابر الحدودية العينات للمختبر. ويفحص المختبر عينات التفاح والعنب قبل التصدير.

 

ويمكن لجميع المزارعين والجهات المعنية الإفادة من التحاليل المخبرية التي يجريها المختبر مجاناً.

 

ويقوم المختبر بامتحانات الجدارة لتقويم مستوى المختبر كمبادرة شخصية.

 

مختبر الجامعة الأميركية

تأسس «مختبر البيئة المركزي في الجامعة الأميركية في بيروت» في العام 1997، بهبة من "الوكالة الأميركية للتمنية الدولية - USAID". يرتكز عمله على كشف الملوثات الميكروبيولوجية، العضوية بقايا المبيدات، البترول..، والمواد المعدنية، في عينات الغذاء والمياه. ويعمل المختبر على تطوير قدراته لفحص ملوثات الهواء.

 

يضم فريق العمل ثمانية أشخاص. وقد حصل في العام 2008 على شهادة اعتمادISO 17025 ، وتجمدت في العام 2012 بسبب نقل مكان المختبر.

 

ترسل وزارة الصحة العامة، اليوم، وفق الباحثة في سموم البيئة في المختبر الدكتورة كارول السخن، عينات من الأطعمة إلى المختبر من لحوم ودجاج. وترتكز الفحوص الميكروبيولوجية على فحص جراثيم: السلمونيلا، الليستيريا، البكتيريا العنقودية (staphylococcus)، الإشريكية القولونية، البكتيريا الملتوية (campylobacter)، الكلوستريديوم، القولونيات البرازية. ويوجب إجراء تلك الفحوص فترة يومين إلى أسبوعين، إذ يعتمد المختبر على طريقة الزرع الأصلية. ترتكز أبرز التحديات التي تواجهها المختبرات في لبنان، وفق السخن، على صعوبة شحن بعض المواد من الخارج، مثل المذيبات (solvents)، أو الميثانول، أو مادة الأفلاتوكسين، بسبب القوانين الدولية أو التشريعات المحلية.

 

وتلحظ السخن قلة الرقابة على تنفيذ القوانين البيئية، ما يقلص عمل تلك المختبرات، وعدم تنفيذ برنامج "Qualeb" الذي كان يهدف إلى توزيع مهمات المختبرات في لبنان، وأن يختص كل مختبر بمهمات أو ميادين علمية معينة.

 

يقوم المختبر برقابة ذاتية من خلال إجراء اختبار الجودة من الشركات الأوروبية. ويقوم الجيش اللبناني بالكشف سنوياً على المختبر في شأن بعض المواد مثل النترات، والحموض (الأسيد) التي يمكن استخدامها في تركيبة المخدرات والمتفجرات.