قال العماد ميشال عون: «انه كان سيحصل على أكثرية مسيحية مريحة، لو تمّت الانتخابات، وهذا ما دفعهم الى التمديد، وليس أيّ أمر آخر»، وأضاف: «المعركة في أقضية بعبدا وكسروان وجبيل وجزين محسومة لنا»، فيما الانتخابات الطالبية والنقابية وغيرهما تؤكد خلاف ذلك، ولكن حسماً للجدل لماذا لا يستقيل عون من دون غيره من أجل فرض انتخابات فرعية في كسروان في معركة إثبات شرعيته ومشروعيته؟

كلّ استطلاعات الرأي تؤكد أنّ شعبية «التيار الوطني الحر» إمّا في حال مراوحة أو تراجع، وذلك لمجموعة أسباب تبدأ بالسياسة وتعطيله انتخابات رئاسة الجمهورية وتقلّبه بين رأس حربة ووسطية ومن ثم رأس حربة، ولا تنتهي بالشخصي، حيث فقد الجنرال الكاريزما التي كان يتمتع بها، وبالتالي لم يعد يشكّل لدى الأجيال الجديدة، أقله، ذاك الحلم بالتغيير والإصلاح، خصوصاً أنّ الممارسة على هذا المستوى حَدّث ولا حرج.

والتكتل الفضفاض لعون لا يعكس مؤشراً فعلياً عن حجمه الشعبي داخل البيئة المسيحية، لأنّ نوابه في جزين وبعبدا وجبيل وصلوا إلى الندوة البرلمانية عن طريق «حزب الله»، وفي المتن عن طريق «الطاشناق».

وبالتالي، مقياس الشعبية يكون إمّا باستفتاء مسيحي أو باحتساب معدّل اقتراع المسيحيين، هذا المعدل الذي دلّ في انتخابات العام 2009 عن توازن مع ترجيح لكفة 14 آذار، وكيف بالحري اليوم بعد 5 سنوات من الترهّل والسياسات المتقلبة والمواقف المتناقضة؟

فالمعيار إذاً ليس التكتل النيابي لعون الذي وصل بالطريقة المعلومة، إنما فحص شعبيته من دون مقوّيات ورافعات، وأيّ ادعاء بأنه يمثّل لدى المسيحيين على غرار «المستقبل» لدى السنة، و»حزب الله» لدى الشيعة، و»الاشتراكي» لدى الدروز، هو ادّعاء غير صحيح وليس في محله، لأنّ أرقام المقترعين المسيحيين في انتخابات العام 2009 أثبتت هذه الحقيقة التي يريد تجاهلها من أجل القول إنّ الرئاسة الأولى «حقّ» طبيعي له مثلما الرئاسة الثانية حقّ طبيعي للثنائية الحزبية الشيعية، والرئاسة الثالثة حقّ طبيعي لتيار «المستقبل».

فالتوازن المسيحي-المسيحي أسقط هذا الحقّ الطبيعي الذي يريده الجنرال ووضَعه أمام خيارين: إنتخاب رئيس تمثيلي من خلال النزول إلى مجلس النواب لانتخابه

أو انتخاب الدكتور سمير جعجع، والخيار الثاني الدخول في حوار لانتخاب رئيس توافقي. ولكنّ الجنرال ذهب باتجاه اللاخيار من خلال تعطيل النصاب وتفريغ الرئاسة الأولى.

والجنرال «عدوّ» نفسه، لأنه أجهض في العام 2007 فرصة انتخابه رئيساً بعد توقيعه وثيقة التفاهم مع «حزب الله»، باعتبار أنّ انتخابه آنذاك كان سيشكّل ترجيحاً لكفّة الحزب في لبنان في ظل معادلة إقليمية دقيقة، فيما كان بإمكانه أن يبقى خارج اصطفاف 8 و14 آذار، وأجهض اليوم ما تبقّى له من حظوظ للوصول إلى بعبدا بعد استعادته الخطاب العدائي ضد «المستقبل» والحريري واستطراداً إسقاطه بنفسه صفة المرشّح التوافقي التي رَوّج لها وأعطاها أبعاداً وأدواراً من قبيل أنه وحده القادر على تأدية دور الجسر بين السنّة والشيعة في سبيل لَملمة البلد، وكأنّ دور المسيحيين هو فقط «صليب أحمر»، ولا يحملون أيّ وجهة نظر أو خيارات تاريخية تعكس رؤيتهم للبنان ودوره.

وأعطى عون بنفسه أخصامه، وتحديداً جعجع، الحقّ في كل ما كان يردده بأنّ رئيس التيار العوني لم يتخلّ يوماً عن موقعه الفعلي إلى جانب «حزب الله» في لبنان والخيار الاستراتيجي لإيران في المنطقة، وأنّ كل الكلام عن الوسطية لا يعدو كونه مسرحية من إخراجه وإخراج الحزب للوصول إلى بعبدا، وقد أصبح باستطاعة جعجع أن يقول للحريري: أرأيت يا شيخ سعد أنني كنتُ على حق في تَموضع عون؟

وإذا كان عون بدأ يتلمّس أنّ حظوظه الرئاسية متدنية، فإنّ إعلانه «التحالف الوجودي» مع «حزب الله» وهجومه الحاد على «المستقبل» جعلها معدومة، ولا يمكن تفسير الرصاصة التي أطلقها على نفسه إلّا في حالة واحدة تكمن في تَثبّته من تقاطع معلومات خارجية وداخلية بأنّ التسوية الرئاسية، خصوصاً بعد ملاقاة السيّد حسن نصرالله لمبادرة الحريري، باتت على قاب قوسين أو أدنى، فأراد أن يُحرج الحزب بالمزايدة «المقاوماتية» والاندماج معه ليتمسّك به مرشحاً كما أعلن نصرالله، ويمنعه من الذهاب إلى تسوية رئاسية.

وبعد أن انعدمت فرص عون الرئاسية وطنياً، من مصلحته لعب ورقته الأخيرة مسيحياً من خلال رفع ورقة تمثيله في مواجهة الجميع، لأنّ إثباته بأنه يمثّل 70% من المسيحيين، وليس أقلّ من ذلك، يجعل وصوله إلى رئاسة الجمهورية قضية ميثاقية تتخطى الانقسامات الداخلية، وبالتالي المدخل لذلك، مع تعذّر الاستفتاءات، أن يستقيل شخصياً نظراً لرمزيته ويفرض انتخابات فرعية في كسروان في مواجهة «القوات اللبنانية» و14 آذار التي تتفق في حينه على مَن ترشّح في مواجهته.

ففي حال قَبلَ التحدي يكون متأكداً من استطلاعاته، وفي حال رفضه تكون هذه الاستطلاعات وهمية والهدف منها فقط تضليل الرأي العام وإيهامه أنّ التمديد سببه الخشية من تسونامي جديد، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل يقبل الجنرال التحدي ويستقيل لإثبات تسوناميته؟