قال الرئيس ميشال عون رداً على سؤال عن علاقته بـ»حزب الله»، انّ «هناك أمورًا يجب ان تُقال بين الأصدقاء»، فهل قصد مصطلح الأصدقاء من أجل توجيه رسالة إلى الحزب بأنّه ليس حليفاً، أم انّ الصداقة تعني بأنّه أكثر من حليف، وأم مجرّد كلمة في سياق لا تحتمل الاجتهاد؟

تشهد العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» توتراً عنوانه المعلن إصرار الأول على انعقاد مجلس الوزراء ورفض الثاني للأمر قبل ان تُحسم مسألة القاضي طارق البيطار، وقد خرجت بعض مصادر التيار لتتهِّم الحزب وحركة «أمل» بـ»إفشال عهد الرئيس عون ومنعه من تحقيق اي انجازات خلاله»، وتحدثّت معلومات عن تباين بين عون والرئيس نجيب ميقاتي حول معاودة الحكومة جلساتها، في ظل رفض الأخير الإقدام على هذه الخطوة التي ستُدخل البلاد في انقسام جديد وتوتر إضافي، فيما يحاول القفز فوق هذه الإشكالية من خلال التعويض عن اجتماعات الحكومة باجتماعات للجان الوزارية.

ad
 

ولا شك انّ ضيق صدر رئيس الجمهورية لا يتعلّق بهذا الجانب حصراً، إنما يتعداه إلى كون ميقاتي أمسك بالعلاقة مع المجتمعين الدولي والعربي، حيث انّ علاقة عواصم القرار مع لبنان أصبحت تمرّ من خلاله، كما انّه في الوقت الذي يتجنّب فيه الصدام مع «حزب الله» من باب الحكومة، لا يتردّد في رفع السقف ضده من الباب الخليجي، ورفض كل ما يسيء إلى العلاقة مع الدول الخليجية، وآخرها موقفه الحازم من المؤتمر الصحافي الذي نظمه الحزب لمجموعات يمنية، تضمّن إساءات لمملكة البحرين، وهي مجموعات خارجة عن القانون وتشكّل حلقة من الحلقات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

 

فرئيس الحكومة وخلافاً لرئيس الجمهورية لا يشعر بالضيق نفسه بسبب دوره المفتوح على عواصم القرار وفي حركة لا تهدأ في الداخل والخارج، بينما يقتصر دور الرئيس الأول على المسرح المحلي في حركة محدودة، مع غياب مجلس الوزراء بسبب دور «صديقه» الحزب الذي عطّل له دوره عن قصد أم من عدمه، وفي السنة الأخيرة من ولايته التي ستنتهي إلى مأساة مالية واجتماعية في حال تواصل الانهيار، وفي وضع شعبي غير مؤاتٍ لخوضه الانتخابات النيابية.

 

ومن خلال مراقبة أداء «حزب الله»، فإنّ تعطيل الحكومة ليس موجّهاً بشكل مباشر ضد رئيس الجمهورية المتضرِّر من هذا الموقف، إنما يتعلّق بإصراره على موقفه من القاضي البيطار، ورفضه التراجع عنه بعد سلسلة تراجعات وتنازلات كان آخرها الخضوع لاستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، وما بين إرضاء عون والظهور أمام بيئته وجمهوره بأنّه اضطر إلى التراجع مجدداً، بما ينعكس على صورته، لن يتردّد في الذهاب مبدئياً إلى النهاية في قراره الذي وضعه في حشرة سياسية، فلا هو قادر على التراجع، ولا قادر على التقدّم إلى الأمام، وسط انهيار متواصل يتحمّل مسؤوليته أمام اللبنانيين.


 

والفارق على هذا المستوى بين عون وميقاتي، أنّ الأول يريد ان يرفع السقف في وجه «حزب الله» من الباب الحكومي، ولكن لاعتبارات رئاسية، مع تحوّل همّه الأول إلى رئاسي بعد دخول ولايته في العدّ العكسي لنهايتها، ومن المتوقّع ان يتوسّع الشرخ بينه وبين الحزب في حال لم يقرِّر الأخير حسم تزكية ترشيح النائب جبران باسيل او التمديد للبرلمان كمدخل للتمديد الرئاسي، فيما ميقاتي يريد ان يتساهل مع دور الحزب في الداخل، ويتشدّد مع دوره في الخارج من منطلق انّه لا يستطيع ان يتشدّد في الدورين الداخلي والخارجي معاً تجنّباً لكسر العلاقة مع الحزب ودخول البلاد في انقسام بطبعة جديدة.

 

وحيال هذا الواقع، يجد «حزب الله» نفسه بين رئيس للجمهورية يضغط عليه من الداخل من الباب الرئاسي، وبين رئيس للحكومة يضغط عليه من الخارج من الباب الخليجي، وما بينهما يفتقد إلى حليف جدّي يقف إلى جانبه في المواجهات التي يفتحها من تعطيل الحكومة، إلى المواجهة مع الخليج الذي وضع لبنان بقوة على جدول أعماله في 7 بيانات متتالية، بدأها بالبيان السعودي-الفرنسي وتلاها في 5 بيانات ثنائية خليجية واختتمها في قمة الرياض.

 

وفي هذا الوقت تتجّه الأنظار إلى ثلاثة ملفات أساسية:

الملفّ الأول، الانتخابات النيابية التي تدخل مع بداية العام الجديد في العدّ العكسي لإتمامها، ويتحّول اهتمام كل القوى السياسية باتجاه الانتخابات ترشيحاً وتحالفاً وتحضيراً.

ad
 

الملف الثاني، التطورات الخارجية إن من باب مصير المفاوضات النووية وانعكاسها على واقع الحال في لبنان، أو من باب تطور الموقف الخليجي الذي لن يقف من الآن فصاعداً مكتوف الأيدي أمام الدور الإيراني، فإما ان تدخل طهران في تسوية إقليمية تعيد من خلالها النظر في طبيعة دورها، وإما انّ المواجهة معها ستشتد أكثر فأكثر، خصوصاً انّ مشروعها لم يتجاوز كونه قوة تعطيل غير قادرة على الحكم ولا قادرة على إرساء الازدهار وتحقيق الاستقرار.

 

الملف الثالث، الوضع الحكومي وارتباطه بالوضع المالي والقضائي المتعلِّق بالقاضي طارق البيطار، وما إذا كانت ستنجح المساعي بحلّ عقدة الحكومة لفرملة الانهيار.

 

وأما الملفات التي يمكن ان تطرأ من خارج السياق وتفرض إيقاعها على الحياة الوطنية، فتتمثّل بثلاثة ملفات أيضاً:

 

الأول، الانتخابات الرئاسية التي تشكّل الهمّ الأول للرئيس عون، الذي لا يدرك ليس فقط من سيأتي من بعده، إنما يترك الرئاسة في أسوأ وضع وصلت إليه البلاد، وبالتالي يجب توقُّع اي شيء يُقدم عليه هذا الفريق كردّ فعل على خسارته الورقة الرئاسية وإصراره على محاولة الاحتفاظ بها، ولا يجب استبعاد إطلاقاً ان يذهب إلى مزيد من التمايز مع «صديقه» الحزب، او ان يتخذ اي خطوة مفاجئة لخلط الأوراق، والأكيد من كل ذلك انّه سيُقدم على شيء ما، وستكون البلاد عرضة لمفاجآت هذا الفريق التي ستزيد هذه المرة في خسائره.

ad
 

الثاني، الوضع الاجتماعي واحتمال انفجاره في حال تواصل الانهيار فصولاً، وسيكون من الصعب ضبط الفلتان في حال خرج عن إطاره وحدوده.

 

الثالث، عودة الاغتيالات السياسية، في محاولة لقلب أو تغيير أوضاع سياسية، فيما اي اغتيال في ظلّ الأوضاع الاجتماعية والمالية والمعيشية والسياسية يمكن ان يأخذ الأحداث بخلاف إرادة من خطّط لهذا الاغتيال، على غرار اغتيال الشهيد رفيق الحريري.

 

والأكيد انّه يمكن توقُّع اي شيء في المرحلة المقبلة الغنية باستحقاقاتها الداخلية مع الانتخابات النيابية والرئاسية، والخارجية مع المفاوضات النووية والدينامية الخليجية، وما بينهما الأزمة المالية-الاجتماعية المفتوحة على اي تطور، والتحدّي الأمني المفتوح على اي اغتيال. وفي المحصلة يمكن اعتبار انّ العام المقبل هو عام الحلول السياسية، أو عام الانفجار الكبير تأسيساً وتمهيداً للحلّ الأخير للأزمة اللبنانية، وبالتالي هي سنة مفصلية لولادة الحل او التمهيد لهذا الحل.