بدت الجمهورية ممزقة كما لم يكن من قبل، وبدا لبنان مثل حطام دولة معلّقة فوق هاوية سحيقة بخيط دستوري لكنه بشع وبغيض، هو التمديد الثاني لمجلس النواب الذي يرى اللبنانيون ان معظم اعضائه يستحقون الزج في السجون بدلاً من الاستمرار في مهزلة تمثيل الناس... والأصحّ التمثيل بالناس!
لا يستطيع أحد ان يقبل هذا التزوير لإرادة المواطنين عبر التمديد، فالذين رشقوا سيارات بعض النواب بالبيض والبندورة كانوا يعبّرون عن غضب يختلج في نفوس معظم اللبنانيين، لكن المشكلة التي وصلنا اليها تتمثل في انه لا يستطيع أحد في المقابل ان يقبل بانقطاع خيط التمديد لتهوي الدولة في دائرة الفراغ الشامل والمغلق والمديد.
إنقطاع خيط التمديد ربما كان سيدفع بالبلد الممزق الى حرب أهلية من جديد ونحن لم نُشفَ من جنون الحرب الماضية، وحتى إذا أسعفنا العقل ولم ننزل الى المتاريس، فاننا سنكون أمام جثة دولة مشلولة وغارقة في الفراغ وضياع السلطة وفقدان المسؤولية، وهو ما يجعل الذهاب الى كتابة دستور جديد مطلباً وطنياً جامعاً ولو بعد حين.
هنا، وفي هذا السياق، ليس سراً اذا افترضنا ان "المؤتمر التأسيسي"، الذي طالما كان موضع مداولات طويلة، سيكون في انتظارنا عند المفترق ولن يكون في وسع اولئك الميامين من "جنود مريم"، الذين يقرعون طبول السهر على حقوق المسيحيين، ان يقفوا مثلاً في وجه المثالثة التي ستُسقط المناصفة التي اقرّها دستور الطائف الذي يرجمونه ليل نهار.
المؤلم أنه ليس اسوأ من مشروع فتوش للتمديد إلا ذلك "الفتوش السياسي" الذي شاهدناه امس، فلقد وصلت دموع البعض على حقوق الشعب الى الشوارع وتبخّرت التصريحات من الشاشات، ولكأن الناس بلا ذاكرة ولا يعرفون ان هؤلاء هم الذين منعوا حصول الانتخابات، اولاً عبر شروطهم التعطيلية المتصلة بوضع قانون جديد للانتخابات، وثانياً عبر تعطيلهم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ما لم يتم وفق نظرية "أنا أو لا أحد"!
المضحك المبكي ان بعض النواب الذين غابوا عن جلسة التمديد ورشقوا الذين حضروها بأبشع التهم كانوا يضحكون في سرّهم مرتين:
اولاً لأنهم ضمنوا بقاء حصتهم النيابية التي لم تكن لتبقى بالضرورة على ما هي لو جرت الانتخابات، وثانياً لأن غيابهم وفّر لهم حججاً للإدلاء بتصريحات شعبوية وتنظيم حفلات ذرف دموع مضحكة على الديموقراطية.
لكن ليس خافياً على أحد إمعانهم في ذبح الديموقراطية مرتين، مرة باصرارهم الدائم على تطيير النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية، ومرة بمشاركتهم المتمادية في تعطيل الانتخابات النيابية وهو ما اوصل لبنان الى الإصابة بالملاريا السياسية التي لم يكن لينفع معها سوى التمديد المرّ مثل حبوب الكينا.