قال النائب سليمان فرنجية إنّ «المسيحيين فضّلوا الفراغ على الرئيس الضعيف»، فيما الأصحّ أنّ فرنجية والعماد ميشال عون فضّلا الفراغ على الرئيس الضعيف، لأن التعميم خطأ، كَون بكركي و»القوات» و»الكتائب» والمستقلّين ضد الفراغ، إلّا في حال كان يعتقد رئيس «المردة» أنه ورئيس التيّار العوني يختصران التمثيل المسيحي.أفضل وسيلة لتبرير الفراغ التذرّع بالحرص على التمثيل المسيحي، وهذا لا يعني أنّ فرنجية غير صادق بحرصه على هذا التمثيل، ولكن تحت ستار رفع عناوين كبرى وبرّاقة يتمّ تغطية انتهاك فاضح للدستور الذي لا يسمح أساساً بالفراغ، شأنه في ذلك شأن أيّ دستور في العالم، حيث أنّ وظيفة الدساتير الحؤول دون الفراغ و»البلوكاج» السياسي.

فهناك مهلة محددة لانتخاب رئيس للجمهورية، وهذه المهلة يجب أن تكون مقدسة، وإذا كانت المناورات وشَد الحبال قبل انتهاء هذه المهلة طبيعية، فإنّ تخطّي المواعيد الدستورية هو بمثابة الخيانة الوطنية التي يجب أن يُحاكم عليها القانون، لأنّ هناك فئة تعمّدت التفريغ وتقصّدت التعطيل، الأمر الذي يُلحق الضرر بالمصلحة الوطنية العليا.

وفي موازاة قدسية المهلة، فإنّ الدول كلها التي تعتمد الديموقراطية التوافقية تُفسح في المجال أمام فرصة أولى للتوافق من خلال الانتخاب بالثلثين كمبادرة تشجيعية للقوى السياسية من أجل التوافق، ولكن في حال استحال هذا التوافق يتحوّل الانتخاب بالنصف زائداً واحداً مُلزماً. وبالتالي، ما يحصل اليوم يندرج في سياق الاعتداء الصارخ على الدستور.

والأخطر من كلّ ذلك أنّ التعامل مع الدستور يتمّ بخفّة مطلقة عبر تحويل الالتزام بنصوصه إلى مجرد خيار من قبيل أنّ «المسيحيين فضّلوا الفراغ على الرئيس الضعيف»، وكأنه معروض عليهم الاختيار بين هذا الصنف من المأكولات أو ذاك، فاختاروا الفراغ، فيما المطلوب من المسيحيين ومن غيرهم التزام الدستور حصراً بعيداً عن اجتهادات وتبريرات تُظهرهم عديمي الثقافة الدستورية والديموقراطية.

ومن ثمّ، من الذي عرقل وحال دون وصول رئيس قوي: 8 أو 14 آذار؟ وهل الرئيس القوي ينحصر بعون؟ وماذا عن سمير جعجع وأمين الجميل وفرنجية؟ ولماذا وافق عون أساساً على تصنيف بكركي للقيادات الأربعة والمشاركة في تلك الاجتماعات إذا كان يعتبر نفسه الزعيم الأوحد؟ ولماذا تجنّب المواجهة في مجلس النواب التي كان يمكن حصرها بينه وبين جعجع وتحميل الكتَل المتخلّفة مسؤولية الفراغ الرئاسي؟

فالذي فوّتَ فرصة انتخاب رئيس تمثيلي بالمعنى الواسع للكلمة، هو عون الذي يرفض وصول غيره إلى الرئاسة الأولى. وفي آخر إطلالة له قال: «إنّ الرئاسة ستحصل عندما يقرّ جميع شركائنا في الوطن بأنّ للمسيحيين الحقّ في صحة التمثيل في مجلس النواب كما في موقع الرئاسة».

ولكن ماذا يعني هذا الحق؟ وهل يتعلق به شخصياً فقط؟ وهل يمكنه القول إنّ جعجع غير تمثيلي؟ وهل المقصود بكلامه أنّ «الرئاسة ستحصل عندما يقرّ جميع الشركاء في الوطن» بحقّه في أن يكون رئيساً؟ وفي المقابل هل يعتبر فرنجية أنّ جدّه الرئيس سليمان فرنجية كان قويّاً؟ وهل كانت شعبيته المسيحية عابرة للمناطق المسيحية أم محصورة ضمن قضاء زغرتا وضمن تنافس مع رينيه معوض والأب سمعان الدويهي؟

وبما أنّ عون لا يختصر التمثيل المسيحي، وبما أنه فشل في إثبات توافقيته، وبما أنّ التوازن المسيحي-المسيحي والوطني-الوطني حال دون وصول شخصية من القيادات الأربعة، ألا يجب الذهاب فوراً نحو مرشح توافقي «تتّفِق عليه الأقطاب المسيحية وتتوافق عليه كلّ القوى السياسية في لبنان»، على حد قول النائب إيلي كيروز؟

وهل سيكتفي البطريرك بشارة الراعي برَفع الصوت ضد القوى المعطّلة للاستحقاق الرئاسي من دون تسمية هذه القوى بأسمائها؟ وهل سيكون على استعداد للدخول في اشتباك علني وواضح مع عون-فرنجية و«حزب الله»؟

وإذا كانت الإجابات عن هذه الأسئلة تنتظر عودة الراعي، إلّا أنّ عدم انتقاله من مرحلة الموقف العام إلى مرحلة الخطوات العملية ينعكس سلباً على دوره وموقعه وتأثيره، خصوصاً أنّ بإمكانه الوصل مع القوى التي مَدّت اليد لانتخاب رئيس توافقي.

ويبقى أنّ الاستمرار في التعطيل هو جريمة أوّلاً بحق الدستور، وثانياً بحق الوطن، وثالثاً بحق المسيحيين الذين يجب أن يُحمِّلوا من الآن وصاعداً حليف عون مسؤولية الفراغ الرئاسي لأسباب طائفية (تغييب المسيحيين عن المعادلة الوطنية لإظهار أنّ المطالبة بنزع السلاح مذهبية لا وطنية) ودستورية (تعليق الدستور من باب رئاسة الجمهورية من أجل الوصول إلى مؤتمر تأسيسي يُشرّع دور ما يسمّى بالمقاومة).