انتهى اجتماع رؤساء اركان التحالف الدولي الذي حضره باراك اوباما بإعلان مواقف اميركية متناقضة تماماً، إذ كان من المتوقع الإتفاق على استراتيجية موحدة تنظّم المعركة ضد "داعش" بعد شهرين من القصف الجوي الذي لم يحدث فرقاً، لأن الارهابيين يواصلون التقدم في سوريا كما في العراق، ولم تعد كوباني وحدها مهددة بالسقوط فقد تسقط بغداد قبلها!
لست ادري ما معنى "العزم التام" وهو الاسم الذي اختارته وزارة الدفاع الاميركية للحملة العسكرية، فالوقائع الميدانية تدفع المراقب الى التساؤل صراحة، هل هو عزم تام على ادارة ذلك الصراع الذي سيحرق المنطقة، وقد يستمر ثلاثين سنة كما يقول ليون بانيتا، أم هو عزم تام على ادارة حرب مذهبية تنتهي بدفع المنطقة الى التفتت والتقسيم؟
هذه اسئلة ضرورية ومشروعة عندما يقول منسق التحالف الجنرال المتقاعد جون آلن إن "داعش" احرز تقدماً كبيراً في العراق، وهذا اعتراف بأن بغداد باتت مهددة بالسقوط، وان كوباني لا تشكل هدفاً استراتيجياً بمعنى التسليم المسبق بإمكان سقوطها، وخصوصاً في ظل الإصرار التركي على عدم التدخل ما لم يطمئن اردوغان الى انه سيسقط بتدخله عصفورين بحجر واحد: الاسد وحلم الدولة الكردية!
المقلق في كلام ألن بعد جولته في المنطقة ان يخلص الى ان الضربات الجوية لن تحسم المعركة بل ستؤدي الى معادلة "لا غالب ولا مغلوب"، وهذه وصفة صريحة لصراع طويل سيدمّر المنطقة، وخصوصاً في ظل قول اوباما بعد اجتماع رؤساء اركان دول التحالف ان "داعش" ليست جيشاً نظامياً يمكن ان نهزمه في ارض المعركة، ما نحاربه هو نوع من الإيديولوجيا المتطرفة تنعكس على انقسامات مذهبية وسياسية في المنطقة وتتصل بحرمان اقتصادي وانعدام للفرص!
يوحي كلام آلن ان الخطر في العراق لا يقتصر على تقدم "داعش" في محافظة الأنبار التي باتت كلها تقريباً في يد التنظيم الارهابي الذي يهدد العاصمة، بل في القلق من انفراط حكومة حيدر العبادي التي يشدد على ضمان استقرارها، في وقت يشكو محافظ الأنبار وزعماء العشائر السنّية من تلكؤ الحكومة والتحالف في امدادهم بالسلاح لمقاتلة "داعش"، لتبرز وراء هذا الكلام اشباح الصراع المتأجج بين الشيعة والسنّة!
ما لا يصدّق ان ينصحنا الناطق باسم "البنتاغون" الأميرال جون كيربي بما سمّاه "الصبر الاستراتيجي"، وهو اعتراف استباقي بأن الحملة طويلة وان فيها نجاحات وإخفاقات كما قال اوباما، ولكن المقلق ليس الاخفاقات المتزايدة، بل الانباء التي تحدثت عن ان "داعش" استخدم اسلحة كيميائية في هجومه على كوباني، بعدما استولى من قاعدة المثنى العراقية على ٦٥ طناً من غاز الخردل و٢٥٠٠ صاروخ قادر على حمل رؤوس كيميائية!
فعن اي صبر استراتيجي يتحدثون؟