عندما كانت مقاتلات التحالف الدولي تقصف مواقع "داعش" في كوباني، المدينة الكردية الصامدة منذ شهر ونيف، كانت مقاتلات رجب طيب أردوغان تقصف في اتجاهات معاكسة مستهدفة مواقع "حزب العمال الكردستاني" الذي كان قد هدد بوقف المفاوضات مع أنقرة ما لم تقم بدعم كوباني ومنع سقوطها في يد الارهابيين او بالسماح للمتطوعين الأكراد بالعبور لمساندة رفاقهم هناك. وهكذا يقع الاكراد بين نارين، نار "داعش" التي تقاتلهم في العراق كما في كوباني، ونار أنقرة التي تستمر في قمع التظاهرات الكردية، وهو ما أوقع ٣٤ قتيلاً ومئات الجرحى من المحتجين، فضلا عن ترك الحكومة التركية مدينة كوباني تُذبح، رغم كل المطالبات والمناشدات الدولية لها بالتدخل.

لكن أردوغان يرفض التدخل مراهناً على كسب رهانات ثلاثة:
- اولاً، إسقاط بشار الاسد بما قد يعطيه دوراً مؤثراً في مستقبل سوريا يساعده في التوسع اقليمياً وراء حلم أشبه بالسراب، وهو استنساخ الأمبراطورية العثمانية لأنه يرى انه هو الخليفة الجديد وليس ابو بكر البغدادي!
- ثانياً، إسقاط الآمال الكردية المزدهرة بعد التطورات العراقية الأخيرة بقيام الدولة الكردية، وخصوصاً بعد موجة التسليح الدولي الحماسي للبشمركة، وايضاً بعد الصمود المثير للأكراد في كوباني، في حين انهار الجيش العراقي وسقطت محافظاته مثل هشيم أمام الإرهابيين، وهو ما يعطي الأكراد قوة دفع تزعج اردوغان.
- ثالثاً، الحيلولة دون حدوث اندفاعات معاكسة قد يقوم بها العلويون في جنوب تركيا، رداً على أي تدخل تركي ميداني على الأرض يبدأ بإنقاذ كوباني وينتهي باسقاط الاسد، وفقاً لشروط اردوغان المعلنة اقامة منطقة عازلة واسقاط النظام السوري.
على خلفية كل هذا لم يتردد أردوغان في الرقص على قبور الأكراد سواء في كوباني او في اربيل لأن قوتهم هنا تشدّ عضدهم هناك، وهو لاعب ماهر في هذه البورصة الدموية، والدليل انه بعدما صوّت البرلمان وأقرّ التصدي لـ"داعش" التي باتت تلامس الحدود الجنوبية التركية، ظهرت في الصحف التركية مقالات عنيفة تنتقده لقبوله فتح مكتب اتصالات يمثّل "داعش" في اسطنبول.
ومن الواضح انه يمارس لعبة عض الاصابع مع واشنطن لفرض شروطه، ويقوم بتسوية حساباته مع حزب "الاتحاد الديموقراطي الكردي" الذي تتهمه أنقرة بأنه وقف مع الاسد وأراد تشكيل "كانتون الحسكة الكردي". وفي هذا السياق، خاطب نائب رئيس الوزراء التركي بولند أرينج اكراد كوباني بالقول: "لقد وقفتم مع الاسد... لماذا أردتم تشكيل دولة ولماذا عاديتم تركيا... هل ادركتم الآن ان لا حامٍيَ لكم غير تركيا؟".
"مفهوم أفندوم"... أردوغان لا يمانع اذا اتّهمه البعض بأنه نيرون الذي يتفرج على حريق كوباني، فهو لم يحرقها وإن كان عندما ينقذها سيخنق احلامها!