القول إنّ مفتاح الرئاسة في طهران لا يعني بأنّ تسمية رئيس الجمهورية انتقلت من سوريا إلى إيران، كما لا يعني بالضرورة أنّ إيران تعطّل انتخابَ الرئيس، إنّما الأكيد أنّها لم تضغط على «حزب الله» لملاقاة 14 آذار على انتخاب رئيس جديد.

الفراغ الرئاسي سيبقى مفتوحاً ما لم يُنتخب العماد ميشال عون، أو يتراجع عن ترشيحه، أو تضغط إيران على «حزب الله» لفكّ ارتباطه الرئاسي مع حليفه في وثيقة التفاهم. وبما أنّ انتخاب عون متعذّر ربطاً بموقف 14 آذار الرافض لانتخابه، وبما أنّ تراجع عون عن ترشيحه متعذّر أيضاً، يبقى المخرج الوحيد من الفراغ الرئاسي بالضغط الإيراني على «حزب الله».

وهذا الضغط قد يكون وليدة ضغط دولي مقابل، أو مصلحة إيرانية بتوجيه رسالة حسن نيّة إلى الولايات المتحدة في لبنان. فمشكلة الرئاسة أنّها لا تشكّل حاجة دولية-إقليمية تستدعي التواصل والتقاطع لانتخاب رئيس جديد.

فالبلد ماشي من دون رئيس، وذلك خلافاً للوضع الحكومي الذي استدعى تدخّلاً، منعاً لانفجار الوضع، لأنّ الرئاسة الثالثة تقع على خط الاشتباك السنّي-الشيعي، كما أنّ الأولوية الغربية والإقليمية تكمن في الحفاظ على الاستقرار في لبنان.

وإذا كان البلد ماشي من دون رئيس، فهذا لا يعني تخويف المسيحيين بالترويج لنظريات من قبيل أنّ العماد ميشال سليمان كان آخر رئيس ماروني، أو أنّ انتخاب الرئيس أصبح مرتبطاً بعَقد مؤتمر تأسيسي.

فلا النظرية الأولى صحيحة ولا الثانية أيضاً، وإذا كان ثمّة مِن إجماع اليوم فهو على المزايدة برئاسة المسيحيين ورفض تعديل اتّفاق الطائف، ولكن كلّ ما في الأمر أنّ عون لا ينوي التراجع، وأنّ حجم الضغوط الداخلية والخارجية عليه ما زال غير كافٍ لدفعه إلى التراجع.

فالمراوحة الرئاسية أسبابها محض عونية، فضلاً عن عدم استعداد «حزب الله» للتضحية بعلاقته مع عون من أجل انتخابات رئاسية لا تقدّم ولا تؤخّر في المشهد الوطني، خصوصاً أنّ انتخاب أيّ رئيس سيكون حصيلة تفاهمات داخلية وخارجية تعكس ميزان القوى القائم، وبالتالي لن يتمكّن من الإتيان برئيس ينتمي إلى محوره.

فاستمرار الفراغ لا يهدّد لبنان بحرب أهلية، ولا يعكّر صفو العلاقات الداخلية، ولا يؤثّر على التركيبة الحكومية، وحتى الجانب التشريعي تمَّ الاتفاق على جدوَلته تحت عنوان «تشريع الضرورة»، ومَن انتظرَ أربعة أشهر يمكنه انتظار ضعفهم وأكثر، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

ومن هنا كان الخطأ في تقديم الحكومة على الرئاسة، فيما كان الأولى حصول اتّفاق على سَلّة متكاملة تشمل الرئاستين الأولى والثالثة وإجراءَ الانتخابات النيابية، ولكن ما حصل قد حصل، وبالتالي أين مصلحة «حزب الله» اليوم بالتضحية في علاقته مع عون، في خضمّ مرحلة حسّاسة ودقيقة، مقابل انتخاب رئيس وسطي؟

وقد دلّت التجربة إلى أنّ الحزب لا يأبه للتمايز عن عون عندما تكون أولوياته مغايرة، وبرزَ ذلك في التمديدين النيابي والعسكري، ولكن في الرئاسة لا يبدو أنّه لغاية اليوم في وارد التمايز عنه، فيما يكتفي عملياً بالوقوف خلف عون دون مَدّه بالمساعدة أو الضغط لانتخابه.

وحيال هذه الوقائع لا يمكن انتخاب رئيس ضمن المعطيات الراهنة التي جعلت عون ممسكاً بنصاب جلسة الانتخاب وحاجزاً «حزب الله» خلفه، فيما المخرج الوحيد من هذا النفق الرئاسي أن تضغط بكركي و14 آذار على المجتمع الدولي ليضغط بدوره على طهران من أجل الإفراج عن الرئاسة في لبنان.

وقد يكون جميلاً تضخيم موقع رئاسة الجمهورية بالقول إنّ تعطيلها مرَدُّه إلى قرار إيراني بخطف الرئاسة لانتزاع تنازلات دولية، وهذا الكلام لا يعني تبرئة ساحة إيران، ولكنّ الوقائع تؤكّد أنّ من يتفق على تأليف حكومة لا «يغصّ» في رئاسة جمهورية، إنّما المشكلة كلّ المشكلة في عدم رغبة طهران بإحراج «حزب الله»، في الوقت الذي يغيب موضوع رئاسة الجمهورية عن الحوار الغربي مع طهران، هذا الحوار الذي لا يتطلب أيّ تنازل أو مقايضة، لأنّ ما تطرحه 14 آذار هو الاتفاق على رئيس تسوية.

فلا حلّ رئاسياً إذاً سوى بالاتكاء إمّا على رغبة طهران في توجيه رسالة حسن نيّة من بعبدا إلى واشنطن بأنّها قوّة تسهيل واستقرار في المنطقة، وإمّا على مبادرة المجتمع الدولي إلى إضافةِ بندِ رئاسة الجمهورية على جدول حواره مع طهران، وما بين الاثنين يعني استمرار الفراغ حتى إشعار آخر...