لقد بَدا التزامن مُلفتاً بين طلب الرئيس تمّام السلام من الرئيس الإيراني حسن روحاني المساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية، على غرار المساعدة في تأليف الحكومة، وبين زيارة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إلى لبنان بعد أقلّ من 72 ساعة على كلام سلام، خصوصاً أنّ شمخاني هو مهندس التسوية العراقية التي قَضَت باستبدال نوري المالكي بحيدر العبادي.

التزامن لم يقتصر على طلب سلام من روحاني وزيارة شمخاني، إنما ترافقَ أيضاً مع تحرّك وفد من «حزب الله» باتجاه النائب وليد جنبلاط بعد مغادرة المسؤول الإيراني مباشرة، وتأكيد النائب محمد رعد «ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن»، ومع إعلان النائب ميشال عون للمرة الأولى، وفي موقف مُبهم، أنه «منفتح على الحوار في شأن الجلسة النيابية المحددة في 9 الجاري للانتخابات الرئاسية».

وقد يكون هذا التزامن مجرد مصادفة، وفي حال كان كذلك، فإنّ ربط هذه العناصر مع بعضها يؤدي إلى تحميل التوقعات حيال الانتخابات الرئاسية أكثر ممّا تُحتمل. ولكن في الوقت نفسه، يفترض التوقّف أمام رسالتين إيرانيتين:

الرسالة الأولى، أنّ طهران، وعلى رغم استثنائها من التحالف الدولي، تُسَلِّح الجيش اللبناني لمواجهة الإرهاب. وأنّ هذا التسليح لا يقتصر على واشنطن والرياض وأوروبا فقط، إنما يشمل إيران التي هي على كامل الاستعداد للمشاركة في هذه الورشة.

الرسالة الثانية، أنّ طهران تساهم في الاستقرار السياسي اللبناني عبر الدفع نحو إجراء انتخابات رئاسية تقفِل الثغرة الوطنية المتمثّلة بالفراغ، وأنّ «دق» رئيس الحكومة بابها دَفَعها إلى التدخّل بغية وضع حد لهذا الفراغ.

وفي موازاة هاتين الرسالتين بأنّ طهران عامل استقرار في المنطقة، والذي برز في لبنان والعراق واليمن، بَدا واضحاً أنّ هناك رسالة ثالثة تتعلق بـ«حزب الله» ودوره وتمَسّك إيران بالحزب، وذلك في موقفين متلازمين زمنياً:

الموقف الأول جاء على لسان قائد قوة «جو فضاء» في الحرس الثوري الإيراني اللواء أمير علي حاجي زادة، الذي قال انّ «حزب الله» كان «مرتبطاً بالحرس في وقت من الأوقات، ولكنه تطوّر اليوم لدرجة أننا بتنا نستفيد من بعض قدراته في بعض الأحيان، ونحن نَمدّه بالدعم عند اللزوم»، وأنّ «الحزب والحرس هما جهتان متلازمتان».

والموقف الثاني جاء بعد أقلّ من 48 ساعة على لسان شمخاني، الذي وصفَ «حزب الله» بأنه «بيضة القبّان» في «المعادلة السياسية والأمنية في لبنان»، ونَوّه «بالنهج الاستراتيجي للحزب في إدارة المواجهة ضد التهديدات الإرهابية التكفيرية».

ولا يمكن فصل الرسالة الثالثة عمّا سبقها، في إشارة ضمنية بأنّ تقوية العناصر السياسية والعسكرية للدولة تأتي ضمن سياق استراتيجية طهران والحزب، لا العكس، لا بل إنّ إيران تَقصّدَت توضيح مسألتين:

المسألة الأولى أنّ «حزب الله» أصبح اليوم شريكاً، لا تابعاً، للحرس الثوري، وهذه الشراكة تجعله مقرّراً، لا منفّذاً فقط، ومقرراً على مستوى المنطقة لا لبنان وحده.

والمسألة الثانية تتمثّل بوصف الحزب بأنه «بيضة القبّان» في «المعادلة السياسية والأمنية في لبنان»، وفي منافسة للدور الجنبلاطي، ولكنّ المقصود أكثر القول إنّ الحزب هو العمود الفقري لهذه المعادلة.

ويبدو أنّ طهران وجدت أنه من الضرورة بمكان، تزامناً مع التطورات المتصلة بالتحالف الدولي وما قد تُوَلّده هذه الدينامية، التأكيد على ثابتتين:
الثابتة الأولى أنّ «حزب الله» خط أحمر، وأنه على رغم تمسّكها بالنظام السوري فإنّ المقارنة بين الحزب والنظام لا تجوز، وهذا الملف غير قابل حتى لمجرّد البحث.

الثابتة الثانية أنّ الاستقرار في لبنان شَرطه ترييح «حزب الله» والإقرار بدوره، وأنه إذا كان المجتمع الغربي والعربي حريصين على استقرار هذا البلد، فعليهما أن يدركا بأنّ أيّ بحث عن تسوية على حساب الحزب ستفجّر لبنان.

ويبقى السؤال: هل زيارة شمخاني هي لإقفال باب المزايدة على طهران بأنها تكتفي بتسليح الحزب لا الجيش اللبناني؟ أم للمزايدة بدورها على التحالف الدولي بأنها معنية أكثر منه في مواجهة الإرهاب؟ أم أنّ هذه الزيارة ستشكّل خرقاً رئاسياً لاستكمال الرسالة العسكرية بأخرى سياسية؟

لا شك في أنّ الأسابيع المقبلة ستبيّن ما إذا كان الهدف من زيارة شمخاني هندسة التسوية الرئاسية أم الاكتفاء بدعم الجيش وتأكيد محورية دور «حزب الله»، ولكنّ الأكيد أنّ اتصال سلام بروحاني كان في محله، لأنّ تعطيل العماد ميشال عون نِصاب جلسات الانتخابات الرئاسية أسقط مبدأ لَبننة الاستحقاق الذي استدعى تدخّلات خارجية من أجل الضغط على الحزب لفكّ ارتباطه مع عون رئاسياً أو الإيحاء له بأنّ الحزب لم يعد قادراً على مجاراته، على غرار عدم قدرة الرئيس سعد الحريري على مجاراته، بفِعل الموقف السعودي.