خلال أقل من أربعة أعوام تعرّضت روسيا لخدعتين جيو-استراتيجيّتين كبيرتين من الغرب (أميركا وأوروبا) اعترفت بهما ولربما الآن قد تكون في طور التعرّض لخدعة كبيرة ثالثة؟

الخدعتان السابقتان حصلت الأولى منهما في ليبيا عندما لم يمارس الرئيس فلاديمير بوتين حق الفيتو على القرار الشهير في مجلس الأمن عام 2011 وحامل الرقم 1973 الذي سمح بإقامة منطقة حظر طيران في ليبيا لمنع العقيد معمّر القذافي من استخدام الطيران ضد معارضته التي بدأت بالتمركز في بنغازي. تجسّدت الخدعة في جعل هذا القرار مبرِّراً لتدخل عسكري جوي أدى إلى إسقاط النظام بالقوة. وهذا، حسب المسؤولين الروس، لم يكن متّفَقاً عليه. وقتها لم توافق روسيا (والصين أيضاً) على القرار 1973 في مجلس الأمن ولكن بعدم ممارسة الفيتو سمحتا بصدوره.
كرّر الروس مراراً ولا زالوا التذكير بأن القرار 1973 كان خدعة. لكن هذه الخدعة "الأولى" بقيت مثار نقاش من أهم نقاطه أن روسيا بوتين لم تكن لديها طموحاتٌ استراتيجية على الشاطئ الإفريقي من البحر الأبيض المتوسّط ولذلك سمحت بصدور قرار حذّرت من احتمالاته "الاستعماريّة" منذ البداية وعندما كان لا يزال مشروع قرارٍ فرنسيا.
لكن الخدعة الثانية التي تعرّض لها الروس وكانت موصوفة (كما يقال في اللغة الجنائية) هي في أوكرانيا. هناك، في أواخر شباط هذا العام 2014 تم الاتفاق بين الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وبين المعارضة برعاية أوروبية وموافقة روسية على حل سياسي انتقالي في ظل يانوكوفيتش، وإذا بالبرلمان الأوكراني في اليوم التالي وبعد تحركات عنيفة في الشارع رافضة للاتفاق (من حرّكها في ذلك التوقيت؟) يجتمع ويقرِّر عزل الرئيس يانوكوفيتش الذي فرّ إلى روسيا. جاء وزراء خارجية بولندا وألمانيا وفرنسا بدعم أميركي لرعاية اتفاق وإذْ يتبيّن أنهم حضّروا لانقلاب مستفيدين من مد شعبي  كبير معارض وراغب في الالتحاق بالغرب.
أما العملية الغربية المحتمل أن تكون خدعة أو تتحوّل إلى خدعة للسياسة الروسية ( وحليفتها إيران) فهي قرار مجلس الأمن الرقم 2178 ضد تنظيمي "داعش" و"النصرة" والذي سمح بقيام التحالف الدولي العسكري لقصف مواقعهما.
بدأت واشنطن وحلفاؤها باستخدام الطيران داخل سوريا والعراق مما يعني في المدى المجهول إمكانية نشوء ظروف قد يتحوّل فيها الضغط العسكري على قوات النظام السوري. ولا نعرف كيف حتى الآن.
الواضح حالياً أن الطيران الغربي أخذ تفويضاً مفتوحاً للتحرك في المديين الجوّيّين السوري والعراقي وهو وضع لا سابق له بالنسبة لسوريا. فكيف ستتطوّر "اللعبة" من حيث محاولة رسم ميزان قوى جديدٍ على الأرض السورية؟ هذه كلها تفتح الأسئلة على إمكان إِحداث وضعية جديدة تضر بالنظام السوري وتضعفه او حتى تُعرِّضُه للسقوط وهذا ما بدا مستبعَداً بعد تقدِّمه الميداني في السنتين الأخيرتين؟ (راجع مقالي: "خِدعٌ باسم داعش وخدع تتخطّى داعش" في 18 أيلول 2014).
السؤال المقابل هو هل كان يمكن للروس أن يصوِّتوا بنعم على قرار لم يحصلوا على ضمانات حول حدود تطبيقه داخل سوريا، وهل كان لإيران أن لا تلفتهم إلى ذلك وهي المتمكِّنة في العراق والمشاركة في الحرب السوريّة، وهل أصلاً يمكن للروس أن يرتكبوا خطأً كهذا من دون ضمانات كافية بعدما أصبحت سوريا في الجنوب، بعد أوكرانيا في الغرب، جزءاً رئيسيّاً من الاستراتيجية الدفاعية الروسية. وهذا يرجِّح عدم إمكان أن يكون التوسيع نحو الأجواء السورية خدعة سهلة؟ ثمة شعور روسي بخدعة أو باحتمال خدعة تتعرض لها موسكو وإلا لماذا يدأب وزير الخارجية سيرغي لافروف على مطالبة واشنطن بالتعاون مع دمشق في العمليات داخل سوريا فيما الأمور تتجه باتجاه معاكس.
كل ذلك في نطاق الأسئلة لأن اللحظة الراهنة تبدو لحظة لا قوة فقط بل أيضاً لحظة براعة غربيّة في استخدام ظاهرة مثل "داعش" تتجه كل الوقائع إلى أن واشنطن كانت متورّطة في صعودها أو ساكتة عن دعمها من قبل عددٍ من حلفائها فيما "النصرة" كانت جزءاً معلنا من سياسة الدعم الأميركي للمعارضة في سوريا في السنتين الأوليين من عسكرة الثورة.
لا سابقة لهذه المرحلة. فالمقياس هنا ليس تشكيل تحالفِِ دوليّ كما حصل سابقا في أفغانستان والعراق وإنما في أخْذِ تفويضٍ مفتوحٍ في دولتين معا وبأهدافٍ وضوحُها الداعشيُّ لا ينفي غموضَها لأن الجهة المستهدفة هي ميليشيا همجيّة غامضة بينما الأجواء هي أجواء دولتين رئيسيّتين في المنطقة.