طلبَت الإدارة الأميركيّة، ورفضَ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مشاركة أيّ دولة عربيّة، وتحديداً خليجيّة، في الطلعات الجوّية التي تقوم بها طائرات التحالف الدولي لقصف «داعش» في العراق.

الأسباب التي قدّمها العبادي وجيهة، ويمكن حصرها بأربعة:

ـ أوّلاً: إنّ العلاقة بين العراق وبعض دول مجلس التعاون الخليجي تفتقر إلى عنصر الثقة، وعندما استضافت بغداد القمّة العربيّة الدوريّة قبل ثلاث سنوات لم يشارك فيها سوى أمير دولة الكويت، فيما اقتصرَت مشاركة السعوديّة والدول الأخرى على مستوى سفراء.

ـ الثاني: إنّ العراق بطيفِه الشيعي الواسع يرفض أن يشارك طيران تابع لدول ذات غالبية سنّية بالتحليق، مجرّد التحليق في أجواء العراق، والحساسيات المذهبيّة في أوجها.

ـ ثالثاً: إنّ العراق لا يزال مركزَ الثقل للنفوذ الإيراني في المنطقة، وتبدأ الحسابات هنا من واقع العلاقات الإيرانيّة - الخليجيّة التي تمرّ في مرحلة رماديّة، وأيضاً نزاع المحاور الذي ينطلق من أرض العراق.

ـ رابعاً: إنّ عمليات القصف لا تستهدف «داعش» بمقدار ما تستهدف آبار النفط والغاز والمصانع والبُنى الاقتصاديّة الحيويّة، وَمن ينظر إلى الأهداف التي تقصف وتُدمّر في سوريا، يستطيع أن يستخلص العِبر؟!.

تطرح هذه المواجهة علامات استفهام كبرى حول مشاركة العرب في التحالف الدولي، والقيم والمبادئ التي استندَت إليها، وهل هي فعلاً لمحاربة «داعش»، أم أنّ هناك أهدافاً أخرى تسعى إلى تحقيقها من تحت الطاولة؟!.

يتمحوَر الجواب حول الآتي:

أوّلاً، لم يكن هناك في الأساس من موقف عربي موَحّد حيال المشاركة. طلبَت الولايات المتحدة، واستجابَت الجامعة العربيّة، وترَأّس الأمين العام نبيل العربي اجتماعاً استثنائياً لوزراء الخارجيّة. تحَوّل النقاش داخل الاجتماع برجَ بابل، كلٌّ يغنّي على ليلاه، وانتهى ببيان يُرضي الإدارة الأميركية بالموافقة على المشاركة في التحالف الدولي.

ثانياً، توَخَّت كلّ دولة أن تحقّق ما تريده. وزير خارجية مصر سامح شكري كان واضحاً خلال اجتماع جدّة: «الإرهاب لا يقتصر على داعش، وجبهة النصرة، بل على الإخوان المسلمين أيضاً، وإذا كان التحالف الدولي يريد مكافحة الإرهاب فعلاً، عليه أن يجفّف كلّ منابعه، بعيداً من الإستنساب، والتمييز».

وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري رحّبَ بالتحالف على أساس تمكين الحكومة العراقيّة أن تواجه هي الإرهاب، وأن تمسك بزمام الأمور، لا أن تكون في موقع «شاهد الزور»، وتستجيب لكلّ ما يفرضه التحالف عليها.

الخليجيون ـ أو بعضهم ـ تحمَّسوا للمشاركة ليس حبّاً بالانتقام من «داعش»، بل لتحقيق سلّة من الأهداف الأمنية والسياسية داخل كلّ من العراق وسوريا، لتقليص النفوذ الإيراني، وإحداث تغيير في الأنظمة.

ثالثاً، إنّ موقع النفوذ العربي في التحالف يقتصر على عنصر المال. مَن يدفع أكثر، يكُن نافذاً أكثر، ومن يُغَطِّ التكاليف، يكُن ـ إلى حدّ ما ـ صاحب كلمة مسموعة؟!. صحيح أنّ الطيران السعودي، والإماراتي، والبحريني يشارك، ولكن ماذا عن الطيران القطري؟.

هنا الحسابات تختلف، لأنّ العلاقات ما بين الدوحة من جهة، والرياض، وأبو ظبي، والمنامة من جهة ثانية ليست «صافي يا لبَن»، وهناك كثير من المآخذ، والحساسيات. أين لبنان من كلّ هذا؟.

إنه عالقٌ بين نظريتين، ومفعول به على محورين:

المحور الإيراني – الشيعي الذي انتقدَ المشاركة، وأقرَّ هذه المرّة بسياسة النأي بالنفس، واعتبر أنّ الذهاب إلى جدّة، وباريس، ونيويورك للانضمام الى التحالف، يُعتبَر خروجاً على سياسة النأي، ويشكّل امتثالاً للإرادة الأميركيّة ـ السعوديّة. هَمُّ هذا المحور أن ينسّق لبنان الرسمي مع النظام في سوريا، لمواجهة الإرهاب «الداعشي ـ جبهة النصرة» في عرسال، ومناطق أخرى.

والمحور الأميركي ـ السعودي، وعدَ بدعم الجيش، واعتبرَ أنّ لبنان ضحية الإرهاب، ومُعتدَى عليه في عرسال، وأنّ مصلحته تكمن في أن ينضمّ إلى التحالف، لتمكينه من الصمود والمواجهة.

لكن في ظلّ نزاع المحاور، وغياب الاستراتيجية العربية الواضحة، بدأت الولايات المتحدة، ومَن معها، بقصف أهداف في كلّ من سوريا والعراق تُعتبَر إستراتيجيّة لكلا البلدين، وهذا ما يثير القلق من أن يكون التحالف قد بدأ بتنفيذ مخطط يرمي إلى إعادة ترسيم حدود الدول والدويلات على قياس لعبة مصالحه، مستفيداً من الخلافات العربية من جهة، والنزاع المذهبي من جهة أخرى؟!.