بقيّ السيّد هاني فحص متصلاً بالثورة الفلسطينية ولم يغادرها وسكن سلطتها كما سكن خنادقها ايماناً منه بضرورة الفعل توصلاً لحل تأخر كثيراً نتيجة لتطرفين أسهما في تعطيل مفاعيل الحلّ للقضية الفلسطينية .

عندما اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية المقاومة كأداة وممارسة نضالية لتحرير فلسطين انخرط السيّد في صفوفها ومن موقع متقدّم فيها استرشاداً بمرشده الاسلامي الداعي الى نصرة الحقّ وانسجاماً مع المدّ القومي التحرري وسيطرة الشعارات الثورية على العقل العربي وتلبية لنداءات الخصوصية الشيعية المحرضة على الثورة ضدّ الظلم . واستمر مناضلاً في سبيل فلسطين وعلى خطين الأول مرتبط بتحفيز الجهود والدعوة الى المقاومة والتحرير والثاني في مواجهة الشر السلطوي والفساد المالي الفتحاوي تحديداً والفلسطيني عموماً . وبعد انكسار شوكة المقاومة الفلسطينية وضياع الثورة على أبواب العرب وزواريب الأحزاب بسبب الاحتلال الاسرائيلي للبنان وكثرة الدروب الملتوية والتي عبرتها المقاومة تمهيداً للوصول الى القدس الشريف . لم ينكسر السيّد وبقيّ فلسطينيّاً وأسهم في بناء النقدّ الداخلي للممارسات الفلسطينية على الصعيدين العملي والنظري وصحح من مسارات فلسطينية أضرّت كثيراً بالقضية وبالشعب وبالمنظمة وكانت له أدواراً بارزة في الوحدة الفلسطينية المُتشظية والمنقسمة على خلافات أكلت من الجهد الفلسطيني المبذول لصالح فلسطين .

نتيجة للانكسار الفلسطيني ولهزيمة مشروع المقاومة قامت منظمة التحرير الفلسطينية بخطوة مصيرية تجاه عملية السلام وكان اتفاق أوسلو وما تبعه وما سبقه من لقاءات فلسطينية – اسرائيلية مشتركة علنية وسرية بداية التحول الجذري في النضال الفلسطيني بترك البندقية الخاسرة واللجوء الى سلاح أمضى من البارود وتخافه اسرائيل لأنه عدوها اللدود وهو السلام المشروط بكامل الحقوق . وهنا ولدت ساحة حرب جديدة احتاجت الى مقاتلين فعليين لتثبيت السلام على قاعدة الحقوق الغير منقوصة وكان السيّد هاني فحص مقاتلاً في صفوف المقاومة الفلسطينية لتحصيل المكاسب الى جانب قيادة المنظمة التي أفتتح معها عهداً جديداً بقيام السلطة الفلسطينية تمهيداً لقيام الدولة وعاصمتها القدس الشريف .

بعد أن ضعفت منظمة التحرير الفلسطينيّة ,عابه الكثيرون من ملل نمت أكتاف حركة "فتح" وترصدوه لاتصاله بالمنظمة والمقاومة والسلطة وحاصروه بسيل من الشُبهات للنيّل من شخصه واتهموه في دينه ودنياه ومع ذلك بقيّ في الخندق الفلسطيني ايماناً منه بشرعيتي القضية والسلطة . من أبي عمار الى أبي مازن وما بينهما من تاريخ فلسطيني مكثف كان السيّد هاني فحص ثالثهما الأكثر التصاقاً بالمسؤولية الفلسطينية والأكثر نشاطاً في ساحة الفكر الفلسطيني لهذا أستحقّ أن يكون سيّد القدس وفلسطين بفعل ايمانه وتاريخ نضاله ومن خلال تجربته التي أسهمت في صنع السلام الذي تغشاه اسرائيل .

ليس سهلاً أن تكون فلسطينيّاً كما كان هاني فحص مناضلاً ومجاهداً لا سمساراً يبيع حجارة القدس وتراب فلسطين لتاجر يهودي أو أمريكي أو لنظام عربي بنى استقراره على دماء القضية الفلسطينية وأسطورة الصراع العربي- الاسرائيلي .

لقد أوفى بوعده فعاش ومات على حُب فلسطين وأوفت فلسطين له ..لقد نعته السلطة الفلسطينيّة بشخص رئيسها محمود عباس ونعاه الشعب الفلسطيني الذي بكاه أكثر مما بكاه الأقربون من ملته وطائفته ..أن يُلف هاني فحص بالعلم الفلسطيني يعني أن للعلم معنى لا يتسع له شبر من قبر في أرض تنجب كلّ قرن شخصاً مثل السيّد هاني فحص .