يمكن لوليد جنبلاط أن ينسب لجهوده "إنجاز" جمع "تيار المستقبل" وحركة "أمل" إلى طاولة نقاش مشتركة، تجمعهما وجهاً لوجه، بعيداً عن صخب الحكومة "البيزنطي". ولجنبلاط أن ينسب لجهوده أنها قد تعيد فتح أبواب المجلس النيابي للتشريع، في ضوء ما أسفرت عنه اجتماعات الثلاثي علي حسن خليل ووائل أبو فاعور ونادر الحريري، على أن تتوج بلقاء قريب يجمع الرئيس نبيه بري والرئيس فؤاد السنيورة.

 

طبعاً، لا يحتاح راصد الحراك الثلاثي للكثير من الإشارات كي يدرك أنّ ما يدور بينهم يسير على خطين متوازين، الأول، هو التمديد لمجلس النواب، والثاني، إعادة ضخّ الأوكسيجين التشريعي في عروق مجلس النواب، المعطّل بحجة عدم جواز التشريع في ظل الفراغ الرئاسي.

 

ولهذا لم يتوان العماد ميشال عون عن التلميح صراحة إلى "صفقة" تطرّز بإبرة جنبلاطية لرسم مسار المرحلة المقبلة، وتقوم على أساس: خذوا التمديد واعطوني تشريعاً.. يفترض أن تتبلور صيغتها النهائية بعد الاتفاق على جدول أعمال الجلسة التشريعية، على أن يسبقها هذا الاسبوع اجتماع لهيئة مكتب مجلس النواب.

 

وبذلك، يسجل للرئيس نبيه بري أنه استثمر قضية التمديد لاستدراج "14 آذار" للقبول بما كانوا يرفضونه طوال اشهر، وما ان ينهي رئيس الحكومة تمام سلام رحلته النيويوركية، حتى تلتئم الجلسة التشريعية الموعودة، وعلى جدول أعمالها اقرار سلسلة الرتب والرواتب بعد تخفيضها وتشذيبها وتقسيطها، الا اذا حصل أمر يمكن أن يقلب الأمور رأسا على عقب.

 

عملياً، استعاد ثلاثي "المستقبل" ـ "الاشتراكي" ـ "أمل" حيويته من خلال اللقاءات المتجددة بين خليل وأبو فاعور ونادر الحريري، بحثاً عن صيغة توافقية تحمل أغلبية نيابية إلى البرلمان قادرة أولاً على عبور حاجز "اللا تشريع"، وثانياً على البصم على قانون التمديد الثاني الذي سيعيد تخدير صناديق الاقتراع للمرة الثانية على التوالي.

 

وبعد ممانعة طويلة حالت دون قيام مجلس النواب بمهماته التشريعية، بحجة الفراغ الرئاسي، يبدي «تيار المستقبل» ليونة مستجدة في التعاطي مع هذه المسألة، من خلال كسره "تابو" التشريع في زمن الشغور، الأمر الذي كان يرفضه مذ أن سلّم ميشال سليمان "ختم الجمهورية" لـ"فخامة الفراغ".

 

إلا انّ إصرار بري على اللعب على "حافة الهاوية" فرض على الفريق الآخر الانقلاب على موقفه للعودة إلى "بيت الطاعة" التشريعي ويمرّ من معبره الإلزامي، إذا كان يريد للتمديد أن يرى النور.

 

وهكذا حصل. لكن التفاصيل لا تزال رهن التفاهم على جدول الأعمال، ما دامت سلسلة الرتب والرواتب هي سيّدة الجدول وأول بنوده المعروضة أمام الهيئة العامة.

 

هنا، بات الخلاف واضحا بين الكتل النيابية، لا سيما من جهة "المستقبل" و"التحرير والتنمية"، ولم تنفع الجلسات الماراتونية في التوصل إلى ورقة مشتركة حول سلّة الموارد المالية التي يفترض بها أن تغذي السلسلة، لا سيما في البند المتصل بالضريبة على القيمة المضافة.

 

ولهذا تتردد معلومات أنّ كتلة بري تحاول جرّ "المستقبل" و"الاشتراكي" المتناغمين في هذه المسألة تحت عنوان عدم إرهاق المالية العامة، إلى اتفاق مسبق على السلسلة يمكن الاستناد إليه للذهاب إلى الجلسة التشريعية.

 

وهكذا يكثف الثلاثي الخليل، أبو فاعور والحريري لقاءاتهم، سعياً إلى إيجاد رؤية مشتركة تفتح على أساسها أبواب مجلس النواب بعد دعوة رئيسه إلى جلسة تشريعية تخرج البرلمان من زاوية "البطالة" التي تضربه، ليَعِد الناخبين بإنتاجية تشريعية تبلعهم "شوكة" التمديد الثاني، لا سيما أنّ التمديد الأول "كان عديم الفائدة".

 

لكن المسألة المالية ليست وحدها ما يجمع هذه "السيبة"، حيث يصرّ أحد المتابعين على القول صراحة إنّ ما يدور بين الخليل وأبو فاعور يتعدى جدول أعمال الجلسة التشريعية وقانون التمديد لمجلس النواب، جازماً بأنّ ملف الرئاسة مطروح على الطاولة الثلاثية، "ولو بخجل"!