ليست المرة الأولى التي يضرب فيها رئيس الجمهورية ميشال عون يده على الطاولة، مذكّراً بدور رئاسة الجمهورية، لا بصلاحياتها فقط، كونه الوحيد الذي أقسم يمين الحفاظ على الدستور. حيث أبدى من على منبر بكركي استياءه من التأخّر في إنجاز مشروع الموازنة لعرضها على طاولة مجلس الوزراء.
 

سبق لعون مثلاً أن توجّه إلى مجلس الوزراء في أولى جلساته بعد تأليف الحكومة، مؤكّداً أنّه هو من يتولى تحديد مصلحة لبنان، وذلك على أثر الجدل الذي أثارته مسألة النازحين بين مكونات السلطة التنفيذية، وقال يومها: «أنا أعرف مصلحة لبنان العليا، وأنا أحدّدها، فأنا في مركز المسؤولية وهذه صلاحياتي، لأني الوحيد الذي أقسمت يمين الحفاظ على الدستور وقوانين الأمّة وسلامة الأرض والشعب، وأرسيت توازناً وطنياً حتى نحقق الاستقرار ونعيد بناء لبنان من جديد. هذا هو مفهومي للمصلحة الوطنية العليا، وأنا مسؤول تجاه شعبي».

يوم الأحد الماضي، دقّ عون جرس الحكومة لاستدعاء القوى السياسية ودفعها إلى الاستعجال في صوغ التفاهم حول البنود التقشفية التي ستلحق بالموازنة وتدخل التاريخ من باب خفضها العجز في هذه الموازنة العامة، بعدما تبين أنّ شياطين التفاصيل لا تزال قادرة على تعطيل سلّة القرارات الموجعة التي ستتخذها الحكومة لوقف التدهور المالي.

اذ، لم يتمكن الاجتماع الموسّع الذي عُقد في «بيت الوسط» برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري ومشاركة ممثلين لشركائه في السلطة التنفيذية، من الاتفاق على كافة البنود المطروحة على جدول الأعمال، والتي يُراد منها تخفيف أعباء الخزينة العامة، كونها موزعة على أكثر من محور.
وفيما اعتبرت رئاسة الحكومة أنّها المقصودة في تصويب رئيس الجمهورية، كونها الجهة المخولة الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لبتّ النقاط العالقة، وامتنعت عن الردّ على بعبدا لمحاصرة «التوتر» المستجد، تبيّن وفق أحد الوزراء المعنيين، إنّ طلب «حزب الله» التريث قبل تقديم إجابات نهائية، هو الذي دفع الحريري إلى منح المشاورات مزيداً من الوقت، مع العلم أنّه أصرّ خلال اللقاء على الحصول على إجابات سريعة للانتقال إلى مرحلة التنفيذ.

ويقول الوزير، إنّ المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل لم يقدّم مقاربة «الحزب» النهائية خلال اجتماع «بيت الوسط»، واستمهل رئيس الحكومة بعض الوقت قبل تحديد الموقف من البنود المطروحة، خصوصاً أنّ «الحزب» يعارض بشدّة المس برواتب موظفي القطاع العام ذوي الدخل المحدود والمتوسط.

وقد حرص مسؤولو «حزب الله» على تظهير اعتراضهم ورفضهم «تحميل المواطن العادي أعباء سياسات وحلول مالية خاطئة»، وتالياً «عدم المس بجيوب الفقراء»، وذلك بالتضامن والتكافل مع حركة «أمل» والحزب «التقدمي الاشتراكي»، حسب المطلعين على موقف «الحزب».
ويشير الوزير المعني إلى وجود تفاوتات في وجهات النظر بين الأطراف السياسية. لكنه يجزم أنّ أجواء المشاورات العابرة للمقار، إيجابية جداً، ويمكن الاستنتاج منها، أنّ اتفاقاً مبدئياً سيولد قريباً بين هذه القوى وسيسبق جلسة مجلس الوزراء المرجّح انعقادها بعد غد الخميس، على أن يكون مشروع الموازنة نجمها الأبرز.

ويقول الوزير، إنّ النقاشات العالقة إلى الآن تتوزع على محوريْن أساسيين:
- الأول يتصل برواتب القطاع العام، حيث تمّ الاتفاق على سلّة قواعد أهمها: عدم المس بالرواتب التي هي دون المليون ليرة، وعلى أن يكون الاقتطاع تصاعدياً، بمعنى ارتفاع النسبة مع ارتفاع قيمة الراتب، لكي تصل إلى ما نسبته 40%، والتعامل مع راتب رئيس الجمهورية على أنه الأعلى سقفاً الذي لا يجوز تجاوزه من جانب أي موظف آخر.

أما الخلاف، فلا يزال حول السقف الذي سيُصار دونه إلى خفض الرواتب. اذ يصرّ ثلاثي «حزب الله» - «أمل» - «التقدمي» على أن يبدأ الاقتطاع من سقف 4 ملايين ليرة وما فوق، فيما القوى الأخرى تحاول خفض هذا السقف.
- الثاني يتصل بمساهمة القطاع المصرفي التي صارت محسومة، لكن النقاش لا يزال حول قيمة هذه المساهمة، حيث يتمّ التداول بثلاثة اقتراحات، قد تسلك جميعها طريقها إلى التنفيذ، وقد يتم الاكتفاء بأحدها أو باثنين منها: الأول، مبادرة المصارف إلى إقراض الخزينة العامة نحو 10 مليارات من الدولارات من خلال الاكتتاب بسندات خزينة تُسدد على 10 سنوات بفائدة صفر في المئة (اقتراح محسوم). الثاني، خفض معدل الفائدة على الدين العام بقيمة 1%. والثالث، حسم مبلغ مقطوع من أصل مديونية الدولة للمصارف اللبنانية بنحو 10 مليارات من الدولارات.