عشية «الكشف» عن تفاصيل مشروع الموازنة مع وضعها على جدول أعمال مجلس الوزراء للبدء في مناقشتها، والتي فرضت الأزمة الاقتصادية «مسارها الفِقَري»، تستعدّ القوى السياسية لتكريس «الانقلاب» في خطابها السياسي، مع قرعها طبول «الانهيار» الاقتصادي.
 

وضِعت «أحلام» المشاريع الكبرى والدفق المالي جانباً، وحان زمن «العوز الرسمي». صار جلياً، أنّ الطبقة الحاكمة بكل تفرعاتها، تحاذر مواجهة هذا الواقع الأليم وتحاول الهروب قدر الإمكان إلى الأمام، ولكنها باتت تسير على الحافة. إما التخلّي عن «قفازات» تحوير الحقائق وإما الغرق في المديونية.

خلال الأسبوع المنصرم، تناوب رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على إطلاق الجرعات التمهيدية لما ستُقدم عليه الحكومة في سياستها المالية.

بداية، إستحضر الحريري نموذج اليونان بما حمل من تجربة مؤلمة في حق المالية العامة لهذه الدولة الأوروبية التي وقعت عام 2010 في أزمة ديونها، ما اضطرها إلى اتّخاذ سلسلة إجراءات قاسية للحدّ من تدهور الوضع بعدما لامست الانهيار.

واستهدفت الإجراءات الحكومية، بغية كبح جماح عجز الموازنة، خفض إجمالي النفقات العامة على الأجور والرواتب عبر تجميد رواتب الموظفين الحكوميين وتقليص مكافآت العمل الإضافي وبدلات السفر.

وعلى رغم من أنّ جولة زعيم تيار «المستقبل» في مربع المقعد الشاغر، تقتضي أن يغدق الوعود على الناخبين لتشجيعهم على المشاركة في الاستحقاق الفرعي «البارد» نتيجة انكفاء المقترعين و«قرفهم»، إلّا أنّه لم يتمكن من الهروب من «شبح» الموازنة الذي سيطل برأسه قريباً، حاسماً هويته التقشفية، مطمئناً في المقابل الى أنّ «بنود السلخ» لن تطاول المواطنين.

لم يكن سهلاً على الحريري أن يتوجّه إلى أهالي الطرابلس الناقمين، كما غيرهم من اللبنانيين، على الوضع السائد، بخطاب متشائم مجبول بالإشارات التحذيرية ممّا ستقدم عليه الحكومة. حاول التحايل على الواقع من خلال الإيجاء أنّ ربيعاً مزهراً سيلي الشتاء المرتقب.

ولكن بعد ساعات من جولته الطرابلسية كان باسيل يتحدث بالفم الملآن ما عجز رئيس الحكومة عن البوح به في شأن القرارات الصعبة التي لن توفر أيَّ فرد من أثمانها الباهظة: «إذا لم يحصل الخفض الموقت فلن يبقى معاش لأحد، ويجب على الموظفين أن يقبلوا بخفض معاشاتهم».

بقّ رئيس «التيار الوطني الحر» البحصة: «الأحكام التقشفية لن تعفي سلسلة الرتب والرواتب من «مقصّها». الأخير ليس مضطراً لاعتماد «لسان المسايرة» طالما أن لا استحقاق شعبياً أمامه قد يدفعه إلى تجميل تعابيره أو أفكاره. أصلاً القوى السياسية لم تعد تملك ترف «التشاطر» على الناس وعليها قول الأمور كما هي وإلّا سيغرق المركب بمَن فيه.

ومع ذلك، في اعتقاد باسيل أنّ بقية الأطراف السياسية تهرب من مواجهة الرأي العام بالحقيقة المرة، وتفضل لعب دور البطولة، كما حصل في ملف الكهرباء، الذي صار له أباء كثيرون، أما الأزمة المالية فـ«لقيطة» لن تجد مَن يتبنّى قراراتها الملتهبة.

بدوره، لم يشذ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن القاعدة، والتحق بمركب «النق» حيث اعتبر مساء أمس أنّ «كل الجهود ستوضع من أجل وضع الموازنة وخفض الإنفاق، وهذه الفرصة قد تكون الأخيرة من أجل الانطلاق نحو طمأنة اللبنانيين ووضع الأمور في سياقها الطبيعي».

إذاً، ستواجه الطبقة السياسية معركة دخول «منطقة المحرمات». ستضطر الى مكاشفة الرأي العام حتى ولو على دفعات. هكذا، تقرّ مصادر «التيار الوطني الحر» في «أنّنا على وشك الانتقال إلى مرحلة جديدة، لكنها لن تكون في الضرورة على حساب الطبقات المتوسطة والفقيرة».

وتؤكد «أنّ «التيار» لن يتبنّى طروحات الاقتصاص من رواتب الموظفين، ولو أنّ فريقاً سياسياً أساسياً يروّج لهذا الأمر»، مشيرة إلى «أنّ أقصى ما يمكن فعله في هذا السياق هو خفض نسبة بعض البدلات التي يتلقاها الموظفون، لكنّ أساس الراتب خطٌّ أحمر لن يُمسّ به».