إختار الرئيس الأميركي باراك أوباما، إعلان إستراتيجيته الجديدة في المنطقة، من باب محاربة الإرهاب، المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية. فضّل الرئيس الآخذ بنظرية المفكر الأميركي زبيغنيو بريجنسكي، حول وضع رؤية إستراتيجية لإعادة تكوين السلطة العالمية، ونضج الظروف الإقليمية والدولية لإستعادة زمام المبادرة في الشرق الأوسط، كي تعود الولايات المتحدة الأميركية بزخم إلى أرض الخيرات والصراعات. صَبَر أوباما لتكون عودته إلى المنطقة، التي بقي سنوات متردداً عن الدخول في غمارها، مطلباً أساسياً لجميع أهل الإقليم، أراد أن يظهر كأنه مخلّص المنطقة، كما طرح نفسه مخلّصاً للأميركيين من أزماتهم.   أعلن أوباما للشعب الأميركي والعالم إستراتيجيته لضرب "داعش"، مشيراً إلى أن هذه الضربات طويلة الأمد، وقد تمتد إلى 36 شهراً. والملفت هو تشديد أوباما المتكرر على إستبعاد روسيا وإيران من الحلف الدولي المزمع إنشاؤه، ما يدل على عدم وجود تفاهم في وجهات النظر حول الوضع السوري ومستقبل سوريا. وهذا يضاف إلى الإستراتيجية الأميركية الجديدة، القاضية بالتحالف مع السنّة. فلا يستطيع أوباما جلب إيران إلى هذا التحالف، لأنه سيعتبرُ منفّراً، لمن تنسج واشنطن حلفاً جديداً معهم.    بالمعنى التكتيكي، لن تعرقل إيران هذه الضربات، فهي ستتجاوب مع أي تحالف يقوم لضرب داعش، خصوصاً أنه سيكون ضرب السنّة بالسنّة. أما على الصعيد الإستراتيجي، والمدى الطويل، فإن إيران ستكون حذرة وقلقة، من أبعاد هذا التحالف في المراحل المستقبلية؛ في رسم السياسات والمحاور، وكيف ستكون نتائجها على الوضع العراقي والوضع السوري؟ في حين تعتبر إيران الآن، أن هناك تنظيماً إرهابياً يهدد الجميع ولا يعترف بالحدود، لذلك يجب أن تقوم قوة أساسية بوجهه وهي الطرف السني. أيضاً لا مصلحة حالية للولايات المتحدة في إعطاء إيران أية فرص، وذلك يدخل في إطار شد الحبال حول المفاوضات بينهما في ما يخص الملف النووي الإيراني.   من جهتها، واشنطن تعرف أن إيران تنتظر هذه الضربات، وأنها حاجة إيرانية، لذلك يستمر أوباما في عدم إعطاء الإيراني أي محفزات. وبمعنى أوضح، فإن الولايات المتحدة غير مستعدة أن تدفع لإيران لقاء تدخّلها، وهنا يظهر الإستقواء الأميركي على إيران. وفي هذا الإطار، لا يمكن إغفال التنازلات التي قدمتها إيران في تشكيل الحكومة العراقية، وعلى سبيل المثال؛ كيف تنازلت إيران عن مطلبها بتعيين هادي العامري وزيراً للدفاع، وعليه تم تأجيل الموضوع إلى حين نضوج المشاورات الجارية. وهذا ما لا يمكن فصله عن كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري مؤخراً، حول إعادة تشكيل الجيش العراقي.   تتركز الجهود الآن على الموضوع العراقي، على الرغم أن أوباما أعطى إشارات إلى إمكانية أن تطال الضربات الجوية الأميركية مواقع تنظيم الدولة الإسلامية داخل الأراضي السورية. وخاصة في الرقة، التي يقال إن "الخليفة" أبو بكر البغدادي، إنتقل إليها هرباً من الضربات على مواقع التنظيم في العراق. لكن حتى الآن الخيارات المطروحة لا تفتح أفاقاً واضحة المعالم، وليس هناك تبلور لماهيّة هذه الضربات ومداها. خصوصاً أن الظروف الإقليمية والدولية غير ناضجة بعد حول تصوّر واضح للوضع السوري. لكن في إطار الرفض الأميركي للمشاركة الإيرانية في التحالف الدولي ضد داعش، قد يحمل رسالة تطالب طهران بالقبول بإسقاط الصيغة العراقية على الواقع السوري؛ أي الضغط على النظام للقبول بتنفيذ بنود إتفاق جينف واحد، وتشكيل هيئة حكم إنتقالية.