اتخذت قضية المخطوفين العسكريين لدى جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية منحى جديداً.
رسمياً، أعلنت الحكومة التفاوض عبر الوسيط القطري، كُلّف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بمتابعة الموضوع، وهذا دليل على أن المفاوضات ستكون طويلة نوعاً ما في ضوء إستعداد إبراهيم لزيارة قطر، وبعد خروج أهالي العسكريين من إجتماعهم مع رئيس الحكومة غاضبين إذ قال أحدهم: "أتينا بخيبة عدنا بخيبات"، وما استتبع ذلك من إعتصام في ساحة الشهداء سيكون مفتوحاً بعد نصب خيم سيمكث الأهالي فيها إلى حين الإفراج عن أبنائهم.
 

"كرامة الدولة من كرامة أولادنا، وكرامتهم أهمّ من أي سجين"، يؤكد الأهالي هذا الموقف، يستمرّون بالضغط على الحكومة مطالبينها بالمقايضة لإنهاء الأزمة، خصوصاً أن هناك جهات لبنانية تفاوض لصالحها هذه الجماعات وجماعات عدوّة أخرى، كما كلّ الدول تفاوض أعداءها لتحرير مواطنيها الرهائن. يأمل الأهالي طيّ صفحة خطف أبنائهم سريعاً لكنهم أصبحوا على يقين أن مسار المفاوضات سيكون شاقاً وطويلاً.
 

إذاً، تسلّم ملفّ المفاوضات اللواء إبراهيم، وهو الذي سينسّق في التفاصيل مع دولة قطر من جهة ومع رئيس الحكومة ووزير الداخلية من جهة ثانية، في المقابل فإن الشخص السوري الموفد من قطر والذي يجتمع بشخص مباشر مع المسلّحين ويفاوضهم هو رجل الأعمال جورج حسواني، وهو مستمر بعمله بين الجرود وقطر وتركيا، إذ يدور محور المفاوضات حسبما علمت "المدن" حول نقطتين أساسيتين، الأولى موضوع المقايضة ومطالبة المسلّحين بإطلاق سراح موقوفين إسلاميين لم تحدّد أسماؤهم كاملة بعد بإنتظار ردّ الحكومة اللبنانية على مبدأ المقايضة، والثانية هي إمكانية نقل أعداد كبيرة من النازحين السوريين من لبنان إلى تركيا إضافة إلى تأمين حماية الباقين وضمان سلامتهم إلى جانب تأمين الرعاية الصحية لهم.
 

وفي الإطار، تشير مصادر واسعة الإطلاع على مسار هذه المفاوضات لـ"المدن" إلى أنه حتى الساعة لا جديد في الجوهر على صعيد المفاوضات سوى وضع الإطار العام للتفاوض والإتفاق على الأقنية التي سيتم هذا التفاوض عبرها، لكنّ الحكومة لم تقدّم حتى الساعة جواباً نهائياً وواضحاً حول موضوع المقايضة. بموازاة ذلك، يعمل بعض المشايخ السوريين واللبنانيين والعراسلة تحديداً إنطلاقاً من مبادرة فردية على محاولة إطلاق سراح عدد من العسكريين، وهم يذهبون إلى الجرود بشكل متقطع حيث يلتقون المسلّحين الذين يرفضون تسليم أحد من دون أي مقابل. أما على صعيد الوفد القطري فقد علمت "المدن" أنه توجّه إلى تركيا للبحث مع السلطات إمكانية استقبال عدد من اللاجئين السوريين.
 

ليس لدى الحكومة بعد أي خطة واضحة للموضوع، لكن الوزراء أعضاء خلية الأزمة المشكّلة لمتابعة هذا الموضوع يشددون على أن كل الخيارات مطروحة من أجل إطلاق سراح العسكريين، وعند سؤالهم عن ماهيّة هذه الخيارات لا يفصحون عنها ويعتبرون أنها سرّية لكي تكون منتجة.
 

في المقابل، تستمرّ المجموعات الخاطفة على تشبّثها بموقفها، تتمسّك بمبدأ المقايضة، إذ يقول مصدر قيادي في جبهة النصرة لـ"المدن" إنهم لن يطلقوا سراح أحد من دون أي مقابل، يرفض الإفصاح عن تفاصيل الإتصالات والمشاورات لأنه يتمّ التعاطي معها بقدر عال من السرّية. يستغرب القيادي في النصرة إصرار الحكومة على عدم المقايضة قائلاً: "نحن فاوضنا مع دول أقوى وأكبر من لبنان، كإيران والنظام السوري، ولم نتخلّ عن المفاوضات إلّا بعد أن حصلنا على مطالبنا". يسترجع قضية مخطوفي إعزاز والمقايضة على إطلاق سراحهم، كذلك في موضوع راهبات معلولا، وصولاً إلى المفاوضات والمقايضة التي جرت مع إيران في حمص، وحول إطلاق سراح 48 إيرانياً مقابل الإفراج عن مئات المعتقلين من سجون النظام.
 

لا يمكن إغفال ما أشاعه المسلّحون عن قبول الحكومة بمطالبهم التي سلّموها للجانب القطري، يؤكّدون حصولهم على موقف إيجابي مبدئي، وعند سؤال القيادي عن أن الحكومة تعلن صراحة رفضها لمبدأ المقايضة، يعتبر أن لهذا الموقف تفسيرين: الأول، إما أن تكون الحكومة تتّخذ مبدأ السرية حتى إقتناع الجميع بالمقايضة، والثاني أن تكون الحكومة تستخدم سياسة الإستثمار في الوقت، أي إرسال رسالة إيجابية للمسلّحين من أجل ضمان سلامة العسكريين وترك المجال أمام المبادرات التي تعمل عليها الدول لإنضاج تسوية معيّنة تخرج الحكومة والبلاد من هذا المأزق.