محاضرة القيت في كلية التنشئة الكلية الشرقية في مدينة زحلة .
نلتقي اليوم والازمات تعصف بالمنطقة والاقليم في المدينة التي شهدت تاريخا طويلا من المتغيرات من حولها عبر التاريخ البعيد منه والقريب ,وبقيت شامخة بأهلها وثقافة بنيها.
أنا قرأت أن لزحلة جذورا ضاربة في التاريخ متشبثة بهويتها في تاريخ هذه الجغرافيا التي عصفت فيها رياح شرقية وغربية وحافظت على البعد الثقافي والحضاري للديانة المسيحية وتشبثت بعلاقات طيبة مع محيطها الآخر الذي اتخذت منه شرطا في تميزها وتبادلت معه المعرفة من موقع المتشبث بأساليبه المعرفية, وتعامل معها المحيط المختلف كأنها شرط في معرفته لذاته ولها من خلال المحافظة على التعددية الثقافية والحضارية والمعرفية وكان التبادل والتعاطي في البيئة الواحدة المتعددة ثقافيا ودينيا من اسباب غناها واستفاد محيطها من التبادل والتحاور والحياة المشتركة , وكانت كلما هبت رياح التغيير واختلط الحابل بالنابل في المنطقة والاقليم كان الحذر والتنبه وضرورة فهم الآخر قلقا معرفيا وسلوكا حكيما في تخطي العقبات والاخطار .
إبان قيام المجتمع الشيعي من حولها وعلى مقربة منها في البقاع الشمالي وتحديدا في شبينتها بعلبك مدينة الشمس بحراك مرتبط بدولة خارجة لتوها من حكم الملكية وانتمائها القومي الى ثورة اسلامية ببعد شيعي يطرح ولاية الفقيه شعارا لدولة لا تقف على حدود الجغرافيا الايرانية بل تنظر الى كل دول الاقليم على اساس تصدير الثورة اليها وبناءها على صورتها واستتباعها وهي قائمة على إرث امبراطوري لفارس يضرب عمقا في التاريخ .
كنا نشهد اهتماما مسيحيا بمعرفة ماهية هذا التحرك وأسبابه كي لا يكون في وقت من الاوقات خطرا بدخول ثقافة جديدة على انسان وجماعة المواطنين المجاورين لها وللوجود المسيحي في لبنان , نحن لا ننسى أن الحركات الاسلامية الشيعية منها والسنية تحمل فكرة ايديولوجية تختصر الحقيقة كما تقدم نفسها وبالتالي تتعامل مع الغير كأنهم جماعة ليسوا على شيء من الحقيقة والآخر  بالنسبة إلى الاسلامويين هو كل من م يشاطرهم الرأي في العقيدة والحياة والانسان سواء كان من بني جنسهم ودينهم او خارج طائفتهم وديانتهم والقلق قد يكون مبررا من كل عاقل في ضرورة فهم الاهتزاز الحاصل والمتغير الطاريء .
فإن كان هذا اللقاء في هذا الوقت الحساس من زمن المتغيرات والايديولوجيات المطروحة بعد ما كنا نأمل من ربيع عربي ضروري لبحث ظاهرة الاسلاموية الجهادية بعدما دقت بذورها دولنا وكياناتنا فإن العاقل لا يغفل عن دراسة كل الافكار والرؤى التي تضج بها الساحات المحيطة بها فلا بد من دراسة الفكرتين المطروحتين في هذه الحقبة الزمنية الا وهي الدولة الاسلامية في العراق والشام والتي تتخذ من البيئة السنية حاضنة ومنطلقا وولاية الفقيه التي تتخذ من البيئة الشيعية حاضنا ومنطلقا لنقول ان الصورة المنتشرة قد نجدها تتشابه في ولادة الفكرتين وان كانت تتمايز بالشكل والذكاء والحنكة ويبقى وجه التشابه فيما بين الحركات الاسلاموية هو عدم قبول الآخر وتقديم رؤيته كحقيقة ساطعة تسقط عقائد ورؤى الآخرين , واذا كانت التقية المبررة عندنا في المذهب الشيعي تهذب وتشذب بعض التصرفات في تقديم وتأخير الافكار والمعتقدات فإن ذلك لا يكون موجودا في الحركات الاسلامية في البيئة السنية حيث لا تقية تخفي آراء فجة قد تكون اساسية وضرورية في تقديم الصورة والموقف .
ومن هنا لا بد من التأكيد أن داعش اليوم تشبه في كثير من صورها دولة ولاية الفقيه في الاقصاء وهو اقصاء بالقتل والعنف للاخر المختلف ولو بدون ذبح وبدون صورة وهو الأذكى فإن كان المخالف مصيره القتل وهو يعارض فكرة ولاية الفقيه او مباديء الثورة الجديدة القائمة على مبدأ ولاية الفقيه فإن المخالف من غير جلدتهم هو أهون عليهم في اتخاذ قرار الالغاء والتكفير وهو أمر ميسر وسهل لذلك من ينظر ويتخوف من داعش اليوم فيتحالف مع ولاية الفقيه الامس كمن يستجير بالرمضاء من النار ,فالاثنين في تراثهم اتبعا استتباعا ورقا للآخر المختلف قتلا وتشريدا للمعارض حتى في حدود الكلمة .
ما قاله الشيخ الانصاري في أن مسألة ولاية الفقيه ليست من أصول الدين ولا فروعه ولكنها نظرية سياسية , والشيخ محمد جواد مغنية بقوله أن ليس للفقيه ولاية لا عن النبي ولا عن الامام .
لا نريد ان نثقل عليكم بنقل نصوص حول نظرية ولاية الفقيه بطريقة اكاديمية وتحليلية لنمط الحركة والسلوك المحكوم بمنظومة معرفية مؤدلجة , نحن امام فكرة ضربت بجذورها في الارض وانفلشت مستفيدة من المتغيرات التي حصلت في المنطقة بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق وضعف نظام آل الاسد في سوريا واستحكام الامر في لبنان من خلال الاستفادة من العمل المقاوم ضد المحتل الاسرائيلي الذي أعطى شرعية لفريق يريد استتباع الوطن والشعب لفكرة الولاية عنده وهو لا يستحي من طرح شعار أنا افتخر أنني وحزبي ننتمي إلى ولاية الفقيه في ظل دولة المشاركة والعقد الاجتماعي الملزم شرعا واخلاقا وعرفا .
واللعب في الظاهر على فكرة الدولة والدخول فيها لاستتباعها وليس لانجازها ومن هنا فإن طرح ولاية الفقيه لا يختلف عن طرح الدولة الاسلامية في العراق والشام واعتبار لبنان ولاية من ولاياتها وبين ولاية الفقيه التي تستتبع ولو بنعومة لبنان وتجعل منه تابعا لها,  وما قول الجنرال الايراني في الحرس الثوري ان حدودنا على شواطيء المتوسط وعلى تخوم فلسطين والدولة التي تقيم على جغرافيتها إلا خير دليل على ما نقول .
إذن لا ضير في القلق الذي يبديه او يكتمه اهلنا المسيحيون في لبنان من كل تلك الدعوات والايديولوجيات المطروحة علينا هنا  .
فمن يتحدث عن خطورة داعش عليه ان يبدد المخاوف على الكيان من الولاية ولاية الفقيه التي تريد ارتهان الدولة والكيان والشيعة لطهران .
أنا لست معاديا للشعب الايراني الذي يحمل إرثا حضاريا وقد أكون معجبا بثقافة الفرد الايراني وايمانه بوطنه اولا فإن الايراني هو ايراني إيراني فارسي ويأتي الدين والمذهب متأخرا في تركيبة هويته .
وأنا اطمح أن يصبح اللبناني لبنانيا لبنانيا لبنانيا ومن بعدها لا ضير في طرح تركيبة هويته الدينية والمذهبية وانا اقترح دائما ان نقدم الهوية الوطنية على باقي اجزاء الهوية الشخصية لكل فرد منا .
إننا امام مشهد المتغيرات الحاصلة في منطقتنا والتي كان من أسبابها فشل الدولة القطرية والقومية وعلى مدى عقود في صناعة تقدم وازدهار في تركيبة المجتمع والفرد وفشلت في تحقيق اي انجاز على مستوى مشروع العروبة والعرب المتمثل في حل القضية الفلسطينية بل واستفرغت كل الانظمة المتاجرة بفلسطين حتى الثمالة .
ونحن في لبنان اول المتضررين من سياسات الدول العربية القومية التي جعلت من لبنان ساحة لتصفية صراعاتها بدم اللبنانيين واتخذت لبنان ليكون ارضا في تصفية حسابات الدول الاكبر منه  .
وكان الله سبحانه من خلال ناموسه في الحياة وسنته التاريخية الحاكمة يقول كما تدين تدان وطابخ السم آكله  .
اللهم لا شماته ولكن هو نوع من استلهام العبر .
ايها الاخوة الكرام نحن في لبنان وقبل استيقاظ وحش الارهاب الجديد في العراق والشام كنا نحمل أثقالا من تراكم الاخطاء المتبادلة في تركيبة القرار السياسي والدولة والمؤسسات وكان جسمنا يعاني من المرض ومشاكلنا في مقدمة اخبار الساعة في المنطقة ونحن لم نفلح بحل مشاكلنا القديمة منها والمستجدة  ونحن الذين نجحنا في تحرير ارضنا من الاحتلال الاسرائيلي في عام الفين فشلنا في العودة الى الداخل لنشارك ونتشارك مع كل المكونات بإعادة تركيب السلطة وإصلاحها بعدما تفشى فيها الفساد ايام حكم الوصاية السورية لبلدنا وتمسكنا ببقاء الجيش السوري على ارضنا وهو الذي كان يدير من خلاله النظام السوري لعبة التفريق بين اللبنانيين وترك دولتهم في حمى الفساد والتمزيق .
وقد قدم هذا النظام نفسه للعرب والمنطقة كصمام أمان وشريكا في محاربة الارهاب وانكشف في كونه متورطا ومنتجا لكثير من فيروسات الارهاب والترهيب الاسلامي منه والقومجي واستطاع ان يبقى في خزائنه كل انواع الاوراق ليكمل اللعب بها في وقته العصيب الذي يعيشه اليوم ان سبب تأخر بلدنا لبنان ودخوله الحرب الاهلية التي ارجعته عقودا عن أقرانه هو العقلية الرجعية والتسلط والتمسك بالسلطة عند كثير من حكام بلداننا العربية والنظام السوري كان من اكبر الاسباب التي ادت الى تدمير الكيان ولكن لهذا الكيان رب يحميه .
ونحن كمسلمين سنة وشيعة وان كنا تأخرنا في الاعتراف بلبنان دولة مستقلة عن غيرنا من اخواننا المسيحيين في لبنان الا اننا التحقنا بركب الانفصال بعد دعوى المطالبة بالاتصال بسوريا حكومة فيصل ابان اعلان دولة لبنان الكبير الذي نحتفل اليوم في اول ايلول  في سنة 1920 ذكرى تشكله وانجاز تأسيسه وان كانت الصور التي رأيناها في احتفالية الذكرى في السراي الحكومي تعطينا الامل بأن المعاصرين في ساستنا في الساحة المسلمة في لبناننا اهتمت بالذكرى وتوالت على الكلام مدركة ضرورة التمسك بالكيان في زمن سقوط الحدود الجغرافية لكثير من الدول المجاورة .
إن ظاهر الاسلاموية الجهادية لا يضطلع بردها وردعها عن تعكير صفو مجتمعنا اللبناني إلا المسلم السني المعتدل الشريك في التمسك بالكيان والصيغة اللبنانية التي قام عليها العرف في لبنان أعني به في الساحة السنية كل المعتدلين والمتمسكين بلبنان اولا وعلى رأسهم تيار المستقبل وغيره من النخب .
وان ظاهرة الاستتباع التي تطرحها ولاية الفقيه لا يواجهها إلا الشيعي المعتدل  والعودة الى وصايا الامام شمس الدين في ضرورة اندماج الشيعة في اوطانهم واحترام العقد الاجتماعي وصيغة الدولة وبنائها , كما واجه كبار من مسيحيي لبنان مقولة الحروب الصليبية ليستنكروا هذه الحروب والصاقها الخاطيء بالصليب كرمز ديني مسيحي وانها كانت حربا غربية على الشرق لا علاقة لها بالمسيحية واخلاقها ومبادئها وروحانيتها وحبها للآخر .
وأنا أُكبر هنا ان يلتقط الصورة اليوم فريق في الساحة السياسية أعني به حزب القوات اللبنانية الذي كان يتحسس قلق المسيحيين ابان الحرب الاهلية وحمل شعار حماية الوجود المسيحي في لبنان .
يلتقط الصورة اليوم ليؤكد ان أمن وبقاء المسيحيين هو في تفهمهم لمحيطهم الاسلامي والبناء على المشتركات المدنية والتاريخية مع التيارات المعتدلة في الساحة الاسلامية السنية منها والشيعية كما لا ننسى ان الذي عاش في كنف الدولة ومؤسساتها التف حوله نخب نحترم الكثير منهم يرجع الى كهف التعصب والعصبية بدل ان تتشابك الايدي للمسارعة على انقاذ لبنان من تأثير الاهوال المجاورة على بلدنا ودولنا  .