رأى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني بعد تسلّمه رسالة قيادة "حزب الدعوة"، يقول المتابعون العراقيون الموضوعيون، أن الكتل السياسية لم تبادر من تلقاء نفسها إلى إحداث التغيير الذي أشار اليه أكثر من مرة. فقرّر التخلي عن سياسة الانتظار التي انتهجها، معتبراً أن مسؤوليته الشرعية إعطاء رأيه صريحاً لقيادة الحزب المذكور. كتب لها "جواباً" موقّعاً هو الآتي:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة في قيادة حزب الدعوة الإسلامية المحترمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد، فإنه تعقيباً على ما ورد في رسالتكم المؤرخة في26 شعبان1435 هـ من طلب التوجيه في ما يخص (المواقع والمناصب) أود أن أبلغكم بأنه بالنظر إلى الظروف الحرجة التي يمر بها العراق العزيز وضرورة التعاطي مع أزماته المستعصية برؤية مختلفة عما جرى العمل بها، فإنني أرى ضرورة الإسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء يحظى بقبول وطني واسع يتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية لبقية المكونات لانقاذ البلد من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم.
سدّد الله خطاكم ووفّقكم لما يحب ويرضى.
11 رمضان1435 هـ
علي الحسيني السيستاني".
كان الجواب، يلفت المتابعون أنفسهم، رأياً لا فتوى يعبّر عن موقف سياسي للمرجعية التي اعترف الأعداء قبل الأصدقاء بحكمتها وصواب منهجها. وكان يُفترض أن لا يُنشر لأن رسالة "حزب الدعوة" كانت سرّية. لكن موقعاً الكترونياً نشره.
ماذا كان ردّ فعل قيادة "الدعوة" على الجواب المرجعي؟
يجيب هؤلاء أن رئيس الحكومة المالكي رفض ما ورد فيها على رغم إبدائه شفهياً وبرسائل خطّية الاستعداد للعمل بتوجيهات "سماحة السيّد" منها واحدة كتبها في رجب 1435 قال فيها: "العراق في مرحلة جديدة، وهو يحتاج الى رعايتكم وتوجيهاتكم لتُحفظ العملية السياسية من الانحراف والخراب لا قدّر الله". حاول أعضاء كبار في قيادة "حزب الدعوة" اقناعه بالتزام موقف المرجعية الدينية العليا. لكنه رفض فحصل انشقاق داخل القيادة. إذ طالب بعضها بتنحيه وتمسَّك بعضها ببقائه. كان الرفض لبقائه مستمراً من الأكراد ومن السنّة، وكذلك من أطراف شيعة مهمّين أبرزهم السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم. وقبل تكليف رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بالتشاور مع الكتل النيابية والسياسية الدكتور حيدر العبادي بيومين، سرَّب "مجهول" رسالة السيد السيستاني إلى موقع إلكتروني فعمَّمها. وقد دفع كل ذلك رافضي بقاءه من قيادة حزبه وغالبية الكتل السياسية والنيابية الى الحسم، فتمّ التكليف.
طبعاً لم يقبل المالكي الأمر الواقع هذا. فذهب الى المحكمة الاتحادية شاكياً معتبراً أن ما حصل غير دستوري. لكنه أذعن لاحقاً للواقع عندما تأكد أن شكواه لن توصله الى نتيجة لأن المحكمة المذكورة لن تصدر حكماً في مصلحته.
هل كان لإيران الإسلامية دور في قرار المرجعية الدينية العليا؟
كانت تريد، استناداً الى المتابعين أنفسهم، استمرار المالكي. وبذلت جهوداً كثيرة وكبيرة لذلك. لكنها عندما واجهت رفضاً قاطعاً من السنّة والأكراد ومن غالبية شيعية من داخل "حزب الدعوة" ومن المرجعية الشيعية العليا، أوعزت له بالاستقالة أو التخلي. من الجهود المرئية الايرانية كانت زيارة مسؤول أمني وعسكري كبير (شمخاني) للسيد السيستاني ولقيادات عراقية متنوعة. وكان هدفها الأول حرص القيادة العليا في طهران على معرفة حقيقة الموقف العراقي من العراقيين أنفسهم، وليس فقط من الحاج قاسم سليماني المكلف منها متابعة العراق أو "إدارته".
هل ينجح الرئيس المكلف عبادي في تأليف حكومة "تحظى بقبول وطني واسع لإنقاذ البلد من أخطار الارهاب والحرب الطائفية والتقسيم" كما كتب السيد السيستاني؟ لا نعرف، يجيب المتابعون إياهم. فالمهلة الرسمية تنتهي خلال أيام. ولا بد من الانتظار، فربما تنتظر ايران فشل العبادي لأنها تريد رئيساً آخر أقرب اليها. وربما لا يريده الأكراد ايضاً. المسألة ليست سهلة. فالسنّة طرحوا لائحة مطالب فيها المحقّ والمقبول وفيها المرفوض وفيها القابل للمناقشة، وطالبوا بإدراجها في البيان الوزاري. وحتى الآن لا اتفاق على رغم سعي أميركا الى منع الفشل.