تابع أحد أبرز “روس” نيويورك كلامه عن وجود بلاده وإيران معاً في سوريا، قال: “هناك تنافس وخلافات على الأرض بين الدولتين، كما هناك خلافات مصالح. لكن ذلك كله لا يضع إيران وروسيا في مواجهة ساخنة وقاسية تؤدي الى طلاق. العلاقة بينهما ليست تحالفاً هذا صحيح، لكنها لا تزال علاقة عمل جيدة”. سأل عن زيارة جهانغيري نائب رئيس ايران الى سوريا ثم قال: “على كل حال قامت روسيا بدور مهم مع إيران كي تبتعد مع حلفائها عن الحدود الجنوبية السورية مع إسرائيل تلافياً لأي اشكالات أو حروب. وقد استجابت إيران. في أي حال الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني صعب الآن. ترامب اعترف بالقدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها. ثم اعترف بضمها الجولان السوري الى أراضيها. وهناك سياسة استيطانية إسرائيلية نشطة في الضفة الغربية بل واسعة جداً. وهناك “صفقة القرن”. في أجواء كهذه لا يمكن توقع حلّ أو تسوية أو عملية سياسية جديدة لايجاد حلّ للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي. لا بد من انتظار العام 2020 على الأقل. إذ أن لدى ترامب انتخابات رئاسية فيها باعتبار أنه قرّر خوضها للفوز بولاية رئاسية جديدة. وهو يحتاج الى يهود أميركا الذين تؤثر عليهم إسرائيل ومنظمة إيباك اليهودية الأميركية التي تدافع عن مصالحها في صورة رسمية. لهذا السبب سيقف ترامب الى جانب نتنياهو. وقد فعل ذلك بخطوتيه المذكورتين أعلاه، وساهم بذلك بفوزه الانتخابي الأخير وإن ضعيفاً أي “على الحافة”. طبعاً نتنياهو لن يتنازل الأن رغم أن صعوبات نجاحه في تشكيل حكومته كبيرة (فشل في تأليفها وحلّ مجلس النواب “الكنيست” ودعا الى انتخابات عامة جديدة). لذلك ربما على العرب الالتفات الى أمور أخرى مثل الحروب التي يخوضون على تنوعها ومحاولة معالجتها، مثل حرب اليمن و”الارهاب الاسلامي” وحرب ليبيا ووضع العراق وغير ذلك من مشكلات وقضايا.

ما رأيك في نتنياهو؟” سأل. أجبت: هذه خامس مرة يتولى فيها رئاسة الحكومة (هو بالأحرى كلّف تشكيلها وفشل). لقد سبق أبرز أسلافه في هذا الموقع مثل بن غوريون. هو يميني والاتجاه العام داخل إسرائيل يميني أيضاً. علاقتكم (روسيا) جيدة به وببلاده. استطاع بحنكته وخبرته كما يقول الأميركيون التوصل الى علاقة عمل جيدة معكم. لكن طبعاً فوز “حزب الجنرالات” بقيادة بني غانز بمقاعد نيابية مساوية لعدد مقاعد “ليكود” الذي يتزعم مهم رغم يمينيّته. ذلك أنه يقيم توازناً في الداخل الاسرائيلي. أما الجولان وقد سألتني عنه فدعني أقول لك أن رأيي كان من زمان ولا يزال أن إسرائيل لن تتخلى عنه. أيام الراحل حافظ الأسد الرئيس السوري كانت الاستعادة ممكنة اذ حصلت مفاوضات جديّة، وتم وضع مقاربات جديّة كادت أن تثمر حلولاً. لكن تصلّب الأسد (أراد أن يسبح في مياه طبريا كما قبل حرب 1967)، ووجود رغبة اسرائيلية دفينة في الاحتفاظ بالجولان وعدم رغبة أميركا في الضغط على إسرائيل، ثم وفاة الأسد الأب، كل ذلك حال دون التوصل الى تسوية. يوم عقدت قمة في جنيف بين الرئيسين كلينتون والأسد الأب، وكان الثاني يومها مستعداً لتسوية بعد إعداد أميركي متقن لها أثمر خريطة للجولان والانسحاب منه، وضعها فردريك هوف، الذي حاول لاحقاً ومن دون نجاح ترسيم حدود لبنان البحرية مع اسرائيل، وحظيت بموافقة (الأسد) وربما وضع عليها ما يسمى بالأجنبية “باراف”. لكن ما حصل أن الأميركيين استبدلوا الخريطة بأخرى عرضوها عليه وكانت مختلفة تماماً عن الذي وافق عليه فغضب ولم يتجاوب حتى في التفاوض ثم رفض الخريطة. وفشلت المحاولة وكانت الأخيرة في عهده لأنه انتقل الى جوار ربه بعد ذلك بمدة. أعتقد أن السوريين يعرفون أنهم لن يستعيدوا الجولان سلماً وأن الحرب صعبة عليهم بعد سنوات طويلة من حرب أهلية ثم من حرب مع “الارهاب” والاثنتان لم تنتهيا حتى الآن. لكنهم سيصرون على أنه لهم. وهكذا فعلوا مع اقليم اسكندرون الذي سلخته عن سوريا تركيا بموافقة فرنسا قبل عقود. لكنهم مع الوقت ما عادوا يذكرونه أو يتذكرونه، ربما مستقبلاً تطرح جهة ما إسرائيل أو أميركا مثلاً تأجير الجولان السوري المحتل الى الأولى لمدة طويلة 99 سنة فتصبح عملياً ملكاً لها وإن في صورة غير رسمية. ذلك أن تغيير الواقع الديموغرافي والعمراني والاقتصادي والاجتماعي الذي يكون نشأ خلال مدة الايجار يصبح بالغ الصعوبة بل ربما مستحيلاً. وعلى كل حصل شيء مماثل بين قبرص وبريطانيا اذ استأجرت الثانية من الأولى ولمدة طويلة مساحة كبيرة أقامت عليها قاعدة عسكرية كبيرة. وبذلك صارت تقريباً كأنها ملك لبريطانيا. والأردن فعل ذلك مع اسرائيل في معاهدة السلام التي وقعها معها، إذ أجّرها لمدة ولكن ليس بطول مدة الايجارين المقترح للجولان والموقع للقاعدة البريطانية. وهي تقترب من الانتهاء وربما يتسبب ذلك بمشكلة بين اسرائيل والاردن، رغم أن ظروف الثاني معطوفة عليها الظروف العربية والدولية ليست مؤاتية لاحتدام أي خلاف بينهما. علّق أحد أبرز “روس” نيويورك على ذلك قائلاً: “في أي حال هذا أمر يحتاج الى وقت والى العرب رغم تشرذمهم، وربما بسبب هذا التشرذم وقعت حروب داخلياً وخارجياً وحصلت انقسامات، ودخلت إيران أراضيهم وصارت عاملاً ثابتاً في سياساتهم. والأمر نفسه يحتاج أيضاً الى إيران وربما يكون ذلك ضرورياً. حسب معلوماتنا فإن “صفقة القرن قد تعلن الشهر المقبل (حزيران). لكن هل تحل المشكلة؟”.