إستقبل العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز قبل أيام عدداً من السفراء الجدد المعتمَدين لدى المملكة، وأعلن أمامهم موقفاً واضحاً من الإرهاب، وطلب اليهم نقله الى كبار المسؤولين في دولهم.

كان التوجّه واضحاً في التعويل على الإعلام، وفي تخصيص مساحة واسعة من التغطيّة لهذا الإجتماع، إذ إنّها من المرّات النادرة وفقَ البروتوكول السعودي التي يُسمح فيها بنقل حديث الملك مباشرة، بالصوت والصورة، وذلك لتأكيد التصميم الجدّي لدى المملكة في مواجهة الجماعات الإرهابيّة.

وتتزامن هذه الإطلالة الإعلاميّة مع كلام ديبلوماسي في بيروت مفاده أنّ الولايات المتحدة تُفكّر جديّاً بإقامة تحالف إقليمي - دولي، شعاره محاربة «الداعشيّة» وأخواتها، ومضمونه الإمساك بملفات المنطقة النفطيّة، والإقتصاديّة، والأمنيّة والسياسيّة، على أن تتزعَّم السعوديّة قيادة هذا التحالف إقليميّاً، نظراً لتأثيرها الكبير في منظومة الدول الإسلاميّة، وقدرتها الماديّة والمعنويّة، ومكانتها في مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، وفي جامعة الدول العربيّة.

أما الأسباب الموجبة فكثيرة، أبرزها كفّ يد تركيا شيئاً فشيئاً عن ملف التنظيمات والفصائل والمجموعات الإسلاميّة على أنواعها سواء تلك الناشطة في سوريا، أو في العراق، أو في مصر وليبيا، والبدء بوضع ضوابط وروادع جديدة وفاعلة لطموحات الرئيس الجديد رجب الطيّب أردوغان، على الصعيدَين الإقليمي والإسلامي، والإفادة من المنزلة الرفيعة التي تتمتَّع بها المملكة لمحاربة الغلوّ والتطرّف من موقع حرصها على الدين الحنيف، وتنقيَته من الشوائب التي تَعتريه جراء الممارسات الوحشيّة للمجموعات التكفيريّة بإسم الإسلام.

وما يُعزِّز هذا التوجّه، بدء الإنفتاح في العلاقات ما بين السعوديّة وإيران، وتوافق الدولتين على مواجهة ملفات كثيرة من منطلق المصالح المشتركة، بينها مواجهة الإرهاب، وتصميم المملكة على تفعيل حوار الحضارات والأديان الذي دعا إليه الملك عبدالله بن عبد العزيز قبل أعوام، ومن خلال العمل المؤسّساتي الهادف.

وتأتي زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز الى باريس في خضمّ هذه الإنشغالات والإهتمامات، حيث للبنان حصّة وازنة في المحادثات، إنطلاقاً من حرص المملكة على لبنان، وتنوّعه، وإنفتاحه، وأيضاً على كيانه وسيادته ووحدته الوطنيّة والدور المسيحي فيه من خلال موقع رئاسة الجمهوريّة.

ويتحدّث بعض الديبلوماسييّن في بيروت عن «ربيع المبادرات السعوديّة» تجاه لبنان:

أوّلها: تحييد ساحته عن الإرهاب وتمكين الجيش الإضطلاع بدوره الوطني على أكمل وجه بعد مدّه بما يحتاج من سلاح وخبرات وتقنيات، وتفعيل الهبة الأولى والمقدّرة بثلاثة مليارات دولار، والإسراع في تنفيذ الهبة الثانية، وترك هذا الملف مفتوحاً بين الرياض وباريس للبتّ فوراً بأيّ جديد يطرأ.

ثانياً: تريد المملكة رئيساً للجمهورية ووضع حدٍّ للفراغ، وتريد تفعيل المؤسسات لأنّها تعتقد بأنّ مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تقتصر فقط على الجيش والقوى الأمنيّة، بل على الدولة بمؤسّساتها كاملة، وعلى الإجماع الوطني.

وتأتي مشاركة باريس في البحث عن المخرج المؤاتي من خلفية العلاقة المميّزة مع مكوّنات الشعب اللبناني، خصوصاً المكوّن المسيحي، فضلاً عن التفاهم العميق بين باريس وواشنطن على سبل تدوير الزوايا الحادة في أوقاتها إستناداً الى تفاهم سابق دار الحديث حوله مطلع هذا العام، ومفاده أنّ الإدارة الأميركيّة تنسّق جيداً مع حكومة فرنسوا هولاند لمعالجة ملف الإستحقاق الرئاسي.

وينطلق التعاون السعودي - الفرنسي - الأميركي من نقطة جوهريّة مفادها أنّ لبنان شريك أساسي وطبيعي في التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، كونه مستهدفاً، وكون ساحته مهيّأة، وبيئته حاضنة، ولذلك لا يمكن أن يدخل في صلب هذا التحالف في ظلّ الفراغ الذي يسيطر على غالبية مؤسسات الدولة، ويشلّ عملها، لذلك لا بدّ من الإسراع في إنتخاب الرئيس، والبدء بتحضير الظروف الملائمة لذلك.

ثالثاً: حرص المملكة على الطائف، وعلى روحيّته ومنهجيّته وميثاقيّته، وعلى تفعيل الحياة السياسيّة عن طريق التوافق على تطبيقِ كامل بنوده ومندرجاته... أليس في صفوف اللبنانيين مَن يقول إنه لم يُطبق بعد.