مرحلة جديدة قد تكون أكثر خطورة دخلها الوضع الأمني في لبنان. الخطر الآتي من البقاع الشمالي الشرقي، يتمدد أكثر تأخذ الأمور إتجاهاً دراماتيكياً، ليس خبراً عابراً ما جرى من إشتباكات بين الجيش اللبناني والمسلّحين في الجرود الشمالية لبلدة عرسال، وفي مناطق أخرى. للمرة الأولى تصل الإشتباكات إلى هذه المناطق، وادي سويد، وادي رافق، جرود القاع والهرمل. أصبح الخطر داهماً، المعلومات الأمنية المتداولة والتي تتقاطع مع معلومات إستخباراتية غربية تؤشّر إلى التوتر الآتي.
 

ليل الإثنين ـ الثلاثاء رصد الجيش اللبناني تحركات لأعداد كبيرة من المسلّحين في جرود القاع وراس بعلبك، دارت إشتباكات عنيفة استخدمت فيها المدفعية والقذائف الصاروخية، وبحسب المعلومات العسكرية المتوافرة لـ"المدن" فإن هؤلاء المسلّحين هم من تنظيم داعش وليس من جبهة النصرة. لا يخفي مصدر عسكري لـ"المدن" أن الوضع الأمني صعب وحذر، مشيراً إلى أن الجيش مستعد لمواجهة هذه المجموعات الإرهابية المسلحة.
 

يقول المصدر إن المعلومات التي تتحدّث عن إمكانية لجوء "داعش" إلى فتح جبهات لبنانية متعدّدة بين عرسال وعكار وطرابلس ليست معلومات داخلية فقط، بل معلومات إستخبارية محلية وخارجية وأبرزها غربية، أوروبية وأميركية، ولذلك فإن على الدولة أن تكون على أهبة الإستعداد لكل الخيارات والإحتمالات.
 

لا يخفى الخوف والحذر عن أهالي قرى البقاع الشمالي، البلدات في عين الخطر، اللبوة ورأس بعلبك وغيرها من القرى سيكون وضعها صعباً بسبب ما يحضّر، وهنا لا يمكن إغفال ما يجري في الجرود القلمونية الفاصلة بين لبنان وسورية، إذ يشير قيادي في إحد الفصائل المسلّحة لـ"المدن" إلى أن تنظيم داعش يستقدم تعزيزات إلى القلمون، وهو كما معروف لا يريد فقط حصر المعركة داخل سورية، بل دوماً يطمح التنظيم إلى التوسع والتمدد ولطالما ذكر قياديوه وبياناته أن لبنان على خريطة تحرّكاتهم. يقول القيادي: "لقد استقدم التنظيم حوالى 600 مقاتل على رأسهم أمير يدعى أبو حسن السوري بتكليف من أبي بكر البغدادي، وهم يريدون بسط سيطرتهم على المناطق هناك والتي تدخل من ضمنها بعض مناطق البقاع الشمالي". يضيف:  لواء فجر الإسلام بقيادة أبو أحمد جمعة كان على علم بما يريده داعش لذلك أراد أن يكون أول من يبايعه، وهناك الآن أكثر من 1500 مقاتل في جرود القلمون أعلنوا مبايعتهم لداعش.
 

إذاً، لم يعد الخطر موضع تحليل، بل أصبح أكيداً لا سيما بعد تأكيد داعش في أحد بياناته أن لبنان على خريطة تحركاته، وهذا يفرض السؤال عن ما يقوم به حزب الله في القلمون بعد إعلان المجموعات المسلحة وعلى رأسها داعش الإستعداد لتحرير القرى القلمونية. يؤكد الدكتور حبيب فياض لـ"المدن" أن حزب الله والجيش السوري قادران على صد أي هجوم للمجموعات المسلحة على قرى القلمون، لا بل قد يكون الهجوم فرصة للقضاء على المسلّحين. يعتبر فياض أن الوضع في لبنان الخطر ويحتاج إلى إستراتيجية موحدة لمواجهة الخطر القادم، مشيراً إلى أنه بحال لم تتضافر الجهود وتسخّر كل الإمكانات ويتعالى الأفرقاء عن الخلافات السياسية فإن لبنان في عين العاصفة وحينها سيكون حزب الله هو الأقل ضرراً من هذا الخطر، لأنه قادر على حماية نفسه وبيئته، والإستراتيجية هي لحماية لبنان ككل وليس فئة معينة.
 

تستمرّ المعارك وتتوسع، يطمح داعش إلى السيطرة أكثر، يراهن على مبدئه في إدارة التوحش من أجل كسب المزيد من المؤيدين والمبايعين لها، وهذا ما سيؤسس إلى مواجهة بينها وبين الفصائل المقاتلة الأخرى من جهة، ومن جهة أخرى فإن وضع لبنان مختلف عن سوريا والعراق، لا وجود واسعاً لهذا التنظيم ولا بيئة حاضنة واسعة لها، رغم بعض الأشخاص المتعاطفين معها، وفي الرؤية العسكرية، فإن الجيش قادر على تطويق بعض خلاياها في الداخل، كما أنه مستعد لصدّ هجماته الآتية من البقاع، كما يقول ضباطه. إلى الآن، ليس للتنظيم في لبنان أرض خصبة، أقصى ما يمكن فعله فتح جبهات متعددة في مناطق متفرقة.