كانت لافتة زيارة مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى المملكة العربية السعودية. هو اللقاء الأول من نوعه منذ فترة بين الدولتين المتخاصمتين، والمتصارعتين على النفوذ في المنطقة. محاولات عدّيدة جرت لجمع الطرفين، مبادرات عربية وأخرى دولية أجهضت في مهدها وحالت دون اللقاء، لكن التطورات الأخيرة في المنطقة لا سيما في العراق ساهمت في الالتقاء وفتح الحوار بشكل مباشر، لن تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، إذ علمت "المدن" من مصادر خليجية رفيعة أن وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل بصدد زيارة الجمهورية الإسلامية في الأيام المقبلة حسبما أتفق خلال اللقاء.
 

يأتي اللقاء كثمرة لمسعى أميركي حسبما علمت "المدن" من مصادر ديبلوماسية رفيعة، إنطلق المسعى من مبدأ أميركي أساسي وهو جمع المنطقة للتوحّد ومواجهة عدوّ واحد ومشترك يهدد حدود الجميع ومصالح الدول المختلفة. من هنا يطرح السؤال، هل فتح الباب أمام داعش للوصول إلى هذه المرحلة من العلاقات الدولية المستجدّة، وهل هذا السيناريو في السماح لتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتوسّعه، من أجل كسر الجمود المهيمن على المنطقة، لإدخالها في ما بعد في مرحلة تحريك الركود للبحث عن حلول؟
 

يقول مصدر ديبلوماسي لـ"المدن": مع بداية الطرح الأميركي لفكرة لقاء مباشر بين ممثلين عن الرياض وطهران، تمنّع الطرفان، فلا ثقة بينهما، والخصام كبير، والحرب الباردة الدائرة بالواسطة كبيرة جداً، فرض داعش نفسه على المعادلة، تعرّضت إيران لنكسة في العراق، انقطع الهلال، بدأ البحث عن حلّ سياسي، أزيح رئيس الحكومة نوري المالكي وكلّف حيدر العبادي بتشكيل الحكومة الجديدة، حاظياً بالموافقة الأميركية ـ  الإيرانية ـ السعودية، بعدها أبدت إيران استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع المملكة، استمرّت السعودية بالتمنّع، فيما ازداد الحث الأميركي على أهمية حصول اللقاء.
 

تجلّت الممانعة في من هو الطرف الذي يجب أن يبادر، تقول المصادر الديبلوماسية لـ"المدن": الوضع العراقي فرض على إيران التنازل والمبادرة، ووافقت السعودية، فأتت الزيارة بمستوى ديبلوماسي متوسط. تشير أجواء اللقاء إلى أنه كان إيجابياً حسبما تفيد مصادر "المدن" لكن ذلك يبقى مرهونا بالنتائج التي ستحقق، إلّا أن هذه المشاورات ستكون طويلة لأن هناك العديد من الملفات الشائكة والتي ستبحث بين الدولتين الجارتين والمتخاصمتين، أولها الملف العراقي يليه السوري، ومن ثمّ اليمني والبحريني. أما حول الملفّ اللبناني، فتعتبر المصادر أنه على الرغم من وضعه في ثلّاجة الإنتظار إلّا أنه جرى التطرق إليه خلال اللقاء وهذا ما قد يحمل بعض الإيجابيات على هذا الصعيد لا سيما في ظل التوافق على ضرورة استمرار عمل المؤسسات في هذه المرحلة.
 

هنا، تشير مصادر ديبلوماسية أميركية رفيعة لـ"المدن" إلى أنه لا يمكن فصل لبنان عن ما يجري، خصوصاً أن المشاورات والمفاوضات تنطلق مما وصفته بالتركيبة اللبنانية "المساكنة" داخل الحكومة بين الأطراف المتخاصمة والتي شكّلت بمسعى اميركي وحوار سعودي إيراني غير مباشر، مضيفاً أن ما يجري في المنطقة هو محاولة لسحب هذا النموذج اللبناني على المنطقة ككل.
 

تعوّل الأوساط الأميركية كثيراً على التفاهم الإقليمي الإيراني ـ السعودي من أجل تحييد لبنان عن دائرة النار وهي تدفع في سبيل ذلك، وتشير إلى أن الخوف على الوضع الأمني المتنامي في البلد يفرض هذا التقارب والتوافق من أجل الحفاظ على الإستقرار وعدم فتح ساحة جديدة للمواجهات، كاشفة عن مساع حثيثة من أجل التوصل إلى إنجاز الإستحقاق الرئاسي وإعادة تفعيل عمل المؤسسات في أقرب وقت ممكن، ومن هنا يأتي الكلام عن إمكانية بروز تطورات إيجابية على هذا الصعيد في الشهر المقبل، قد تأتي بجديد.
 

يعتقد المصدر الديبلوماسي أن الملف طويل وهو يشبه مراحل المفاوضات حول الملف النووي الإيراني التي امتدت لسنوات، بدأت مع جس النبض، ومن ثم وفود دولية للكشف على الموضوع لتنطلق في ما بعد المفاوضات المباشرة بين الدول الكبرى وإيران منذ قرابة السنة. ولا شك أن هذا المخاض الطويل امامه صعوبات عدة، قد يتفق الطرفان في مكان ويختلفان في مكان آخر.