مشهد الانهيار المأسوي لبرج الظافر في غزة الذي ساوته المقاتلات الاسرائيلية بالارض السبت الماضي، يدفع الى التأمل في حال الانهيار المريع الذي يكاد يجرف الوضع العربي الى قاع الدم والدمار. الفلسطينيون ليسوا وحدهم تحت الحديد والنار (متى لم تكن هذه حالهم؟)، بل ان المواطن العربي من المحيط الى الخليج تقريباً، يعيش في جحيم من الخوف وهو يستيقظ على مجازر مخيفة وينام على مذابح مروّعة ويتآكله ذعر من الآتي وقلق المصير.
وكما انهار برج الظافر في غزة انهارت دول وحكومات واشتعلت النار في الأقاليم والمدن والأحياء، كل هذا بعد تهاوي الأنظمة الديكتاتورية التي أوحى انهيارها بأن "الربيع العربي" على الأبواب، لكن ما زرعته الديكتاتوريات المتوحشة في نصف قرن أفضى الى هذا الحصاد المتوحش الذي يضرب في كل مكان تقريباً.
لقد شاهدنا صور النيران تلتهم ليبيا ومطار طرابلس، وهذا لا يضيف اي تفصيل، فمنذ اسابيع وغزة تشتعل بالقصف والتدمير، وكما تقطع رؤوس البشر بالسكاكين في العراق وسوريا تقطع أعناق الأحياء ورؤوس المنازل بالقنابل في غزة، وليس في وسع العرب الغارقين في الأزمات الدموية غير المسبوقة في تاريخهم ان يفعلوا شيئاً!
ولم يكن غريباً ان نقرأ عن تظاهرات احتجاج على وحشية العدو الاسرائيلي و"الجرف الصامد" تخرج في أسوج ونروج، بينما المنطقة العربية الغارقة في المجازر لا تملك الوقت للاحتجاج والتظاهر، لأنها بالكاد تتمكن من احصاء قتلاها، وبالكاد تجد جثثهم المشوهة، وبالكاد تواريهم الثرى، وبالكاد تلتقط الأنفاس بين قتيل وقتيل، بين مذبحة ومذبحة... ويا للهول!
فمنذ اربعة اعوام ونحن نشاهد صور البراميل المتفجرة تدمر أحياء سوريا على رؤوس اهلها، وصور "الاخوان المسلمين" يحاولون احراق القاهرة، وصور بغداد والمحافظات العراقية تمزقها الانفجارات والانتحاريون والقتلة والاعدامات الكيفية، وشاهدنا صنعاء تحت النار وفي قبضة اعتصامات الحوثيين، وشاهدنا تونس تئن تحت جرائم الاغتيالات السياسية... اما في لبنان، في بيروت وطرابلس وعرسال، فماذا لم نشاهد بعد من المآسي والجرائم وعمليات الاغتيال والتفجير؟
وهكذا يمضي النازيون الجدد في المحرقة الفلسطينية لأن "الضحية تتوق دوماً الى لعب دور الجلاّد" كما قال يهودي يدعى سيغموند فرويد، لكن نتنياهو يتفوّق على الفوهرر، وليس في وسع نبيل العربي حتى الذهاب لالقاء بيان احتجاج في الامم المتحدة.
قبل ثلاثة ايام اعلن نتنياهو ان اسرائيل لن تنزلق الى حرب استنزاف، لكنها ستردّ على صواريخ غزة بأسلوب "التقطيع والطحن"، وهو بهذا يتفوّق على "داعش"، التي تقدم ذلك العرض المرعب من الرؤوس المقطوعة، بينما هو يدعو الى الطحن بعد التقطيع... وقد قطّع غزة وطحنها في زمن يبدو العالم العربي مقطوع الرأس.