تساءل باحثون أميركيون في مناقشات غير رسمية عن الذي يمكن أن يحصل في حال استمرت "حرب غزة" وأدت في النهاية إلى عودتها تحت الإحتلال. وتساءلوا أيضاً عن مصير "حل الدولتين" الذي طرحته أميركا قبل سنوات ولم تنجح في تحقيقه. ثم استنتج بعضهم أن غياب الحل النهائي قد يحوِّل إسرائيل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة دولة عنصرية مماثلة لدولة جنوب أفريقيا قبل أن يحررها نلسون مانديلا وشعبه من نظامها العنصري. وعادوا بعد ذلك إلى التساؤل إذا كانت "حرب غزة" ستعيد المفاوضات بين حكومة إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية لوضع الأسس النهائية لحل الدولتين. وتركَّز تساؤلهم على إمكان عودة الرئيس باراك أوباما إلى المفاوضات المذكورة من خلال إرسال وزير خارجيته جون كيري إلى المنطقة للمحاولة من جديد.
هل عودة الروح إلى العملية السلمية بين "الحكومة" و"السلطة" ممكنة وقابلة للنجاح؟
العودة ممكنة، يجيب باحث يهودي جدي وعريق وناشط ومؤمن بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة قابلة للحياة وناقد مرّ لزعماء إسرائيل وفي مقدمهم رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بسبب سياسته الفلسطينية، لكنه يستبعد نجاحها في تحقيق الهدف المطلوب. والسبب أن رئيس الحكومة المذكور يرفض وعلى نحو مطلق دولة فلسطينية قابلة للحياة وسيدة ومستقلة. إذ أعلن، في مؤتمر صحافي الشهر الماضي وتكلّم فيه بالعبرية فقط، أنه "لن يسمح أبداً للفلسطينيين بالحق في سيادة حقيقية وأصيلة لأنها العامل الوحيد أو الأول الذي "يحدِّد" الدولة". وقد دفع ذلك الصحافي الإسرائيلي ديفيد هوروفيتز إلى كتابة ما يلي في الـ"تايمز أوف إسرائيل": "لا أحد يستطيع أن يدّعي مستقبلاً أن نتنياهو لم يخبرنا حقيقة ما يفكر فيه. فهو قال في وضوح شديد أنه لن يستطيع أبداً وفي أي وقت تشجيع قيام دولة مكتملة السيادة في الضفة الغربية". ولو لم يكن هذا الكلام صحيحاً لما تسبّب رئيس حكومة إسرائيل بإفشال المفاوضات الأخيرة التي أجراها مع السلطة الوطنية الفلسطينية برعاية وزير خارجية أميركا والتي استمرت تسعة أشهر. ولما برّر موقفه بعدم وجود شريك فلسطيني (أي "سلطة" محمود عباس)، وخصوصاً بعدما "تصالح" مع حركة "حماس" وشكّل حكومة بالتوافق معها، وبعدما بدأ الإثنان البحث في خلافاتهما تمهيداً لحلها. طبعاً قد يحاول نتنياهو، وخصوصاً بسبب حربه على غزة وآلاف القتلى والجرحى والمعوقين وغالبيتهم من المدنيين الذين اسقطتهم، استرضاء الرأي العام الدولي وتحديداً الأوروبي الذي يحمِّله مسؤولية ذلك كله ومعه "حماس". وأحد الإدلة على ذلك ما نشرته "النيويورك تايمز" الأميركية في 13 الجاري وهو يشير إلى أن نتنياهو تخلى عن إدانته ورفضه لحكومة المصالحة الفلسطينية. ومن الأدلة أيضاً قول يائير لابيد وزير المال إنه ووزراء "وسطيون" آخرون يضعون خططاً لنظام جديد وطموح. وبعض هؤلاء يعتقد أن الهدنة في غزة عندما تثبُت يمكن أن تقود إلى محادثات سلام تنتج اتفاقاً على حل الدولتين.
طبعاً لا يوافق الباحث اليهودي نفسه على ذلك. فنتنياهو كرّس حياته السياسية كلها لمنع أي اتفاق من هذا النوع. وهو يعتقد ربما أن "حرب غزة" الأخيرة يمكن أن تمكِّنه من تحقيق هدفه هذا أخيراً.
هل تحوُّل إسرائيل دولة عنصرية إحتمال جدي قابل للتحقيق؟
يستبعد الباحث نفسه ذلك. فنتنياهو يعتمد لإبعاد هذا الإحتمال على الإحباط بل اليأس اللذين سيصيبان الفلسطينيين والمجتمع الدولي جراء فشلهم في تنفيذ حل الدولتين. ذلك أنه سيستغل هذه الحال الشعورية لتنفيذ إجراءات آحادية من شأنها "خلق" مناطق فلسطينية (Enclaves) غير متصلة، والسماح له بضم غالبية أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل. وهو يؤمن بأن ذلك يمكِّن بلاده من تلافي وصمة التمييز العنصري والدولة العنصرية، إذ يعطيه الفرصة لمنح الفلسطينيين الذين سيعيشون في إسرائيل الجديدة المواطنية الكاملة. علماً أن الجميع داخلها وفي العالم يعلمون أنها ستكون مواطنية إسمية فقط. لكن نتنياهو مخطىء في ذلك، يضيف الباحث اليهودي الأميركي إياه، فما يخطط له أو يفكِّر فيه لن يحدث. إذ أن عدداً كبيراً من الفلسطينيين رأوا أحبابهم يُقتلون ويُجرحون ويصبحون معوّقين (أمهات وأبناء وآباء وأشقاء وشقيقات...). ولذلك فإنهم لن يسمحوا لإسرائيل بالهروب من نتائج التطهير العرقي والتمييز العنصري الذي أدّى إليه.