جمر القلمون الحارق لا يزال تحت الرماد، الأرضية جاهزة لإشعال ما تبقى من الخضار واليباس هناك، والقلوب تبلغ الحناجر حنقاً وتعبئة. في السياق المترابط للأحداث، لم يعد بالإمكان التعاطي مع أي خبر عن المعارك الدائرة في الأراضي اللبنانية والسورية المتصلة بالجرود، هناك حيث اندثرت الحدود، التهديد الأمني للبنان يقترب أكثر فأكثر من البقاع الذي يعيش خوفاً ورعباً ولجأت بعض قراه إلى التسلّح والبدء باتخاذ إجراءات الأمن الذاتي، تكفي جولة ليلية في هذه القرى لتبيان أن الحرب تنتظر هبّة ريح لتشتعل نارها.   لا حديث في قرى البقاع الشمالي إلّا عن الحرب القادمة والجولة الجديدة، هي مسامرة الجميع، وأحاديث الليل والنهار، ينام البقاعيون على خبر ليصحوا على آخر، ينتظرون الأخبار، يحلّلون ويترقّبون، وإذ بخبر صاعق: "تلقّى حزب الله وقوات النظام السورية ضربة قويّة في جرود فليطا ما دفعهم إلى التراجع بإتجاه القرى اللبنانية". وتبدأ السيناريوهات، هذا التراجع يعني أن المجموعات المسلّحة تقترب أكثر بإتجاه لبنان، إلى أين ستتوجّه؟ هل صحيح أنها ستخوض المعارك في القرى المحسوبة على الحزب كما هدّدت مراراً وتكراراً؟   هنا يأتي الجواب: الحزب يتّخذ الإجراءات اللازمة لذلك، الكلام غير مقنع، فكيف وصل هؤلاء إلى مشارفنا وقد هزمناهم هناك؟ لا جواب شافياً. حزب الله بأعلى درجات تأهبه، لهذا كان الدخول إلى بلدة الطفيل اللبنانية بعد طرد أهلها. تشير مصادر قيادية في حزب الله لـ"المدن" إلى أن الطلب من أهالي الطفيل مغادرتها هو حفاظاً على سلامتهم. البلدة تحوّلت إلى منطقة عسكرية، فهي التي تتصل بلبنان فقط من جرد بريتال، أراد الحزب تعبيد هذه الطريق لنقل العتاد وأعداد مقاتليه إلى القلمون، لا سيما بعد الكمائن التي تعرّض لها عبر المعابر الأخرى بسبب الإنتشار الواسع للمسلّحين في الجرود.   سياسياً، يساور القلق من تفجّر الأوضاع الحدودية الجميع، في الداخل والخارج يتركّز الحديث عن هذا الأمر، تكثر الأسئلة والإستفهامات، ويتمّ دمج ما هو عسكري بما هو ديبلوماسي، وعلى الرغم من تنميق الكلام، يأتي فحوى التقارير الأمنية غير مطمئن. يشير ديبلوماسي غربي بارز اطّلع على تقارير أمنية غربية متداولة لـ"المدن" أن وضع القلمون خطر جداً، خصوصاً مع تطور القتال والذي قد تطول مدة معارك الكرّ والفرّ خلاله كثيراً في الجرود الوعرة، وبما أن هذه المعارك تأخذ شكل حرب العصابات فإن لبنان لم يعد بمنأى عنها لا سيما بعد ما جرى في عرسال.   في المعطيات المتوفّرة لـ"المدن" فإن السفيرين الأميركي والفرنسي في لبنان يقومان بجولات مكوكية على مختلف القيادات السياسية والعسكرية بسبب القلق من الوضع الأمني وتسلّل المعارك إلى الداخل. يقرأ الديبلوماسي لـ"المدن" ما يجري في المنطقة ويقول: "الحمم المتفجّرة في سوريا والعراق خطرة جداً، وتتمثّل خطورتها في إمكانية إنتقالها إلى مناطق أخرى، من هنا يصبّ المجتمع الدولي جهوده للحفاظ على الإستقرار في لبنان، لكن الخطر ما زال موجوداً". ويعتبر الديبلوماسي أن توحيد الجهود الدولية ضد داعش بدءاً من العراق يؤدي إلى إحتمالين، الأول هو محاصرة هذه المجموعات وضربها في أماكن وجودها وهذا ما سيأخذ وقتاً لا بأس به، والثاني أن هذه المجموعات قد تعيد إنتشارها في مناطق أخرى وهذا ما سيصّعب الأمور".   في أحد التقارير الأمنية الغربية تتحدّث المعلومات وفق ما ينقلها مصدر مطّلع لـ"المدن" عن أن الإعتداء الذي طاول بلدة عرسال في السابق بحال حصل مجدداً سيشمل البقاع الشمالي ككل، وتفيد المعلومات أن الإعتداءات التي شنتها المجموعات على المواقع العسكرية في عرسال والإشتباكات التي خاضتها مع الجيش هي محاولة لجسّ النبض ومعرفة ميزان القوى اللبناني، إذ يعتبرها التقرير مجرّد "بروفا" قد تكون مقدمة لشيء أخطر.   الثابت الآن أن الجيش اللبناني ينتشر في جرود عرسال، إذ يؤكّد مصدر عسكري بارز لـ"المدن" أن الجيش يحكم السيطرة الميدانية على عرسال، وأقام خطوط دفاع متقدمة لحماية البلدة والأراضي اللبنانية من أي اعتداء، إلّا أن المعلومات العسكرية الأميركية تشير إلى جهوزية عالية تعيشها المجموعات المسلّحة وهذا ما قد يجعلها تشن هجمات أخرى على الداخل اللبناني.