اشترطت سالومي قطع رأس يوحنا المعمدان لتعطي الملك هيرودس ما يريد. كان في وسعها قبول نصف مملكته الذي عرضه مقابل رقصها أمامه، لكنها قررت مع أمها أن درء خطر المعمدان سيجعلهما تكسبان المملكة كلها فيما وجوده سيظل يهددهما.

 

 

وفي ماض قريب، طلب العرب بدء عملية سلام جدية وشاملة مع إسرائيل مقابل مشاركتهم في الحرب على صدام حسين الذي احتل الكويت. كان صدام قد حدد ثمن انسحابه من الكويت بإنهاء إسرائيل احتلالها للضفة الغربية وغزة. شرط صدام حسين كان دعائياً لكن لم يكن من المتاح سحب هذه الورقة من يده من دون خطوة حقيقية مقابلة. فكانت العملية التي بدأت بمؤتمر مدريد.

 

 

اليوم، تظهر دعوات الى «قطع رأس داعش». لا جدال في أن القضاء على هذا الوباء الأسود ضرورة للدول والمجتمعات العربية بسبب الكلفة المادية والسياسية الضخمة التي يلقيها على عاتق المنطقة، وبسبب تشويهه تشويهاً عميقاً لصورة الإسلام والمسلمين والعرب، على نطاق غير مسبوق في العصر الحديث.

 

 

بيد أن كل هذا يفترض أن يقترن بثمن للمشاركة العربية. فليس سراً أن عدداً لا يستهان به من الأطراف ومن المواطنين العرب ينظر إلى «داعش» باعتباره ورقة أفلحت في لجم التقدم الإيراني في العراق، وأن «الإنجاز» هذا أفضى إلى إرباك القيادة الإيرانية وحملها على تغيير تكتيكاتها وتغيير «مبعوثها» الى العراق وسورية اللواء قاسم سليماني، الذي بات يلام على إفراطه في دعم نوري المالكي رمز الطائفية وسياسات الإقصاء في بغداد.

 

 

القضاء على «داعش» بواسطة تحالف دولي تقوده واشنطن ويضم إيران والعراق والنظام السوري ودول الخليج، يفترض أولاً التوصل الى تسويات كبرى بين اطراف التحالف وإجابات على أسئلة صعبة، من نوع مستقبل المناطق التي سيرغم «داعش» على الخروج منها. هل ستعود في سورية إلى حكم بشار الأسد؟ وهل سيُسلم العراق مجدداً الى النفوذ الإيراني المطلق؟

 

 

بكلمات ثانية، هل سيجري القضاء على التنظيم الإرهابي من دون علاج الأسباب التي أدت الى ظهوره وتمتعه بقاعدة شعبية (وليس مجرد «بيئة حاضنة» على ما يصر أصحاب التفسير الأمني– التآمري) على هذا القدر أو ذاك من الاتساع؟

 

 

ويخطئ من يعتقد أن في الوسع ممارسة التذاكي والخداع هنا أيضاً. ورغم أن خطر «داعش» وإجرامه لا يمكن إنكارهما، إلا أن من الملح التأكيد أن هناك من يقلل من حجم الخطر الداعشي الواضح مقارنة بأخطار كانت بدأت تتكشف مع الفراغ السياسي والأمني والعربي وما يتركه ذلك من أثر على المجتمعات والدول والشعوب في مناطق آخذة في الاتساع. ومن يراقب وسائل الإعلام المصرية يلاحظ بسهولة أن التنبيه من اقتراب «داعش» (رغم التوظيف الداخلي له) بات واضحاً وخرج من منطقة الهلال الخصيب.

 

 

تفكك الدول والتمدد الإيراني وترك الساحة الفلسطينية ملتهبة تحت رحمة آلة القتل الإسرائيلية، مسائل لا يمكن تجاهلها عند بحث تشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب الداعشي.

 

 

المشكلة في رأس التحالف. هل سيقتنع باراك أوباما أن سياسة «دعهم ينزفون دعهم يقتل بعضهم بعضاً» قد وصلت الى نهايتها، وأن الصحافي القتيل جيمس فولي قد يكون طليعة لسلسلة من الضحايا الأميركيين ما دام نهجه الذي قام على أنقاض فشل سلفه جورج دبليو بوش قد فشل، فتراكمت أنقاض فشلَي بوش وأوباما لتنتج ظاهرة «داعش». ربما كان على أوباما أن يفكر في هذه الأسئلة عندما قرر تجاهل جريمة قصف غوطة دمشق بسلاح بشار الأسد الكيماوي قبل عام.