استمعنا الى نداء "التيار الوطني الحر" الذي تلاه وزير الخارجية جبران باسيل معلنا فيه المقاومة ضد ما سمّاه "الداعشية العسكرية" و"الداعشية السياسية"، مساويا بين كسب في سوريا والموصل في العراق، وقصر بعبدا الرئاسي في لبنان! وقد بدا لنا ان النداء جيد من ناحية استعجاله حسم الاستحقاق الرئاسي، اما نتيجة الحسم فأمر آخر.

ان استعجال اتمام الاستحقاق الرئاسي امر جيد للغاية، وخصوصا اذا ما اكتشفت الجهات المعطلة ذات يوم ان محاولة فرض مرشح بعينه بقوة التعطيل تحمل الكثير من المخاطر على الموقع نفسه، وعلى مكانة الشرائح المعنية مباشرة ببقائه رمزا للكيان بتنوعه وتوازناته. بالطبع سيكون الجنرال ميشال عون وصحبه آخر الذين سيقتنعون بأن من المهم بمكان الفصل بين الشخص وطموحاته وبين الموقع المهدد ليس في اطار تركيبة الدولة نفسها، بل في اطار التركيبة الوطنية برمتها. واذا كان عون يسم سعيه على الوصول الى الرئاسة بسمة المواجهة العالمية لدحر تنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، باعتبار ان وصوله الى الرئاسة يمثل وجها من اوجه "مقاومة" "الداعشية" بكل وجوهها، فإن في الامر الكثير من المبالغة البلدية من طرف سياسي لبناني لا نقاش في صفته التمثيلية المعتبرة. ومصدر المبالغة اليوم هو هذا العقل الذي ينتج بيانا منتفخا كالبيان الذي تلاه الوزير باسيل، والذي لا يفتح أبوابا أمام إتمام الاستحقاق الرئاسي، إنما يحكم إقفالها.
في اختصار، ان تعطيل الاستحقاق الرئاسي من اجل فرض الجنرال ميشال عون، لن يقربه من الموقع، ولن يحمي الواقع المسيحي في لبنان، بل على العكس تماما، لانه لن يكون في لبنان رئيس للجمهورية منتم الى محور اقليمي كبير يبدأ في طهران وينتهي في حارة حريك، مرورا بقصر المهاجرين في دمشق. والامر يتعدى "حقوقا" طائفية او جهوية، فالتوازن الوطني في الرئاسات يفترض بقوة الواقع ان يكون في مواجهة التمثيل الشيعي في مجلس النواب تمثيل سني من القياس عينه، اما رئاسة الرئاسات اي رئاسة الجمهورية، فموقع مسيحي لا يحتمل ان يكون جزءا من الاصطفاف الكبير الممتد على مساحة المنطقة. والحقيقة ان الكثيرين يخشون في حال وصول الجنرال عون الى سدة الرئاسة الاولى أن يطيح توازنات شديدة الحساسية في مرحلة تشهد فيها المنطقة عودة الى مرحلة "تفاهمات" تخفف حدة الصدام الاقليمي الكبير. ان "التفاهمات" المشار اليها وصلت الى لبنان في مطلع العام الحالي ونتج منها قيام حكومة الرئيس تمام سلام، وقد قامت على أساس المحافظة على توازنات سياسية دقيقة وحساسة، والحفاظ على استقرار امني بحدود معقولة.
إن الرئيس المقبل، إما أن يأتي بتسوية وإما لن تكون رئاسة، ليس لأن رافضي عون رئيسا يعطّلون، بل لأن الأخير وحلفاءه ليسوا في موقع يمكّنهم من قلب الطاولة على الآخرين، في مرحلة تتم فيها التضحية بالمالكي في بغداد دون ان يرف جفن في طهران!