لم تكن مواقف وزير الخارجية الأميركي جديدة، ولكن الجديد كان في طريقة ايصالها، وتوقيتها، وشدتها العلنية. فقد كان كلام وزير الخارجية شديد الوضوح، لا بل قاسيا جدا، وبلغ مستوى وضع اللبنانيين امام خيارين صعبين، اما “حزب الله” وايران، واما أيام عصيبة آتية في ظل تصاعد الحملة الأميركية على التمدد الإيراني، و”حزب الله” في لبنان ذراع إيرانية أساسية، وستكون هدفا مركزيا للحملة الأميركية “السلمية”، ولكن العنيفة في كل المجالات الأخرى. أما الردود اللبنانية فقد راوحت بين دفاع رئيس الجمهورية المتوقع (“حزب الله” لبناني قاعدته لبنانية ولديه ممثلون منتخبون في البرلمان اللبناني) الآتي الى موقعه من بوابة التحالف الاستراتيجي مع الحزب.

 

والاثنان تحت المظلة الإيرانية الإقليمية التي تجمعهما مع نظام بشار الأسد، وقوى وتنظيمات أخرى في المنطقة وخارجها وصولا الى نظام مادورو في فنزويلا!، وبين كلام آخر سمعه من قوى أخرى عبرت عن ضيقها بالسياسة الأميركية المتقلبة بين إدارة وأخرى، وعكست عدم ارتياح حلفاء اميركا التقليديين وقلة ثقتهم بالسياسة الأميركية التي أسهمت اسهاما أساسيا في تمدد النفوذ الإيراني، كما في سيطرة “حزب الله” على القرار السيادي في لبنان.

 

لقد بدا لبنان الرسمي بالأمس عاجزا في مكان، ومتواطئا مع “حزب الله” في امكنة كثيرة، وساعيا الى اللعب على وتر “الاستثناء اللبناني” الذي ساد لسنوات طويلة، وقد اعتمده الأوروبيون ولا سيما الفرنسيون في مقاربتهم للواقع اللبناني، فيما تقبله الاميركيون في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما المعتبر من خلال خيارته في الشرق الأوسط انه سمح للايرانيين بالتمدد، بل انه سلمهم العراق وسوريا دفعة واحدة، وبالتالي ما كان لبنان ليسلم وحده من عواقب خيارات أوباما.

 

ليست المشكلة في ان يدافع الرئيس ميشال عون عن حليفه، أساس وجوده في قصر بعبدا. وليست المشكلة في ان يشن وزير الخارجية الأميركي هجوما عنيفا على “حزب الله ” في قلب لبنان المنقسم عموديا حتى الان حوله، بل المشكلة كما تتراءى لنا كمراقبين تكمن في التخبط الطويل الأمد في السياسة الأميركية في المنطقة، فضلا عن تقلباتها، تبعا لعمر الإدارات الأميركية. من هنا القوة التي يتمتع بها المحور الذي تقوده ايران بالاعتماد على عنصر الوقت الذي لا تملكه إدارة أميركية مهما كانت متصلبة إزاء السياسة الإيرانية.

 

ولكن مع ان حلفاء الاميركيين التقليديين في لبنان، وهم كثر، مستاؤون لاكثر من سبب، وضعيفو الثقة بالسياسة الأميركية، فإن ما يمكن استشفافه من كلام مايك بومبيو في بيروت، العلني وغير العلني، ان لبنان فعلا صار امام خيارين صعبين جدا: اما مواصلة الاستسلام والإذعان للامر الواقع الذي يمثله تمدد نفوذ “حزب الله” في الدولة بفروعها كافة، وإما دفع ثمن باهظ جدا (سلمي) في المال والاقتصاد. فقد بات علينا ان نتوقع الأسوأ لجهة تصعيد العقوبات الأميركية، ليس فقد ضد “حزب الله” وبيئته، وإنما المطروح اليوم بات استهداف المتواطئين معه من خارج بيئته التقليدية، والبارزون بينهم معروفون في السياسة والمال!