للحظة كانت ستنضم بعض المناطق اللبنانية إلى رقعة جهادية من الرقع التي يسيطر عليها مسلّحون متطرّفون على غرار الوضع في سوريا والعراق، خلال ساعات قليلة اندثرت حدود وانضمّ 5 بالمئة من أراضي الدولة اللبنانية إلى الأراضي "الجهادية". 316 كلم مربّع تبلغ مساحة عرسال حيث سيطر المسلّحون على البلدة ليعود الجيش ويدخلها بعد إنسحابهم. الإشتباكات التي دارت في القرية البقاعية المنسية كانت مؤشّراً خطيراً على ما قد يحمله الخطر المتراقص على مرامي الدول العربية، وهذا ما يطرح إشكالية عن مناطق أخرى منسية كعكّار والمنية والضنّية وصولاً إلى طرابلس حيث يكثر الحديث عن الوضع الأمني في هذه المناطق، ليبلغ الكلام حدّ الحديث عن وجود خلايا متطرّفة نائمة.
 

الإستعار المذهبي الذي يلفح دول الجوار، بالتأكيد ليس بعيداً عن لبنان، إذ لا يخفى الصراع المذهبي الذي يتجلّى في الخطابات والوقائع، لا سيما تنامي الحديث عن الأمن الذاتي هنا وهناك وتحديداً في قرى البقاع الشمالي. يطغى الكلام الأمني على الكلام السياسي في هذه المرحلة على الرغم من توازي الحراك في المضمارين داخلياً، فيما ينحصر اهتمام الحراك الخارجي بما يخصّ لبنان بالموضوع الأمني وكيفية إبقاء المظلّة الدولية المحافظة على الإستقرار في البلد.
 

يأتي الإهتمام الإقليمي والدولي بالمحافظة على الإستقرار اللبناني من ضمن سلّة إقليمية جامعة، تحوي توحيد وجهات النظر بين الدول المتعارضة، إذ تتفق على التعاون من أجل محاربة الإرهاب. يمتدّ تثبيت الهدوء إلى لبنان على الرغم من الأزمة السياسية التي يعيشها، وهنا تبرز مؤشّرات التهدئة الدولية للمنطقة ككل جلية، ففي أفغانستان حصل إتفاق إيراني أميركي على إدارة الأزمة، أجريت الإنتخابات وتم الإتفاق على تشكيل حكومة مشتركة من القوى المتناقضة، أي حكومة "وحدة وطنية" في التعبير اللبناني الدقيق.
 

كذلك إمتدّت مؤشرات الإتفاق إلى العراق، فكان إعلان طهران عن استعدادها للتخلّي عن رئيس الحكومة نوري المالكي. إتفق على عزله، وتمّت تسمية محازبه حيدر العبادي لتشكيل الحكومة الجديدة، وهنا تشير مصادر ديبلوماسية لـ"المدن" إلى أن الجهود الآن تتركّز على إنجاز التسوية في العراق وبحال نجاحها ستمتدّ إلى مناطق أخرى على رأسها لبنان. وتضيف المصادر أنه بموازاة الحراك السياسي والتسوية الحكومية في العراق، يستمرّ توحيد الجهود الدولية والإستعداد لمحاربة تنظيم "داعش"، فكان الإسترداد السريع لقوات البشمركة لسدّ الموصل، وذلك بخلاف كل الإشاعات التي كانت قد ضخّت عن إمكانية تفجيره والمخاطر والمجازر التي ستنتج عن هذا الفعل.
 

يقول أحد السياسيين المطلعين على التوجه الغربي: هناك مسار طويل قد يمتد إلى بضعة أشهر ستكون الأنظار خلالها موجهة إلى العراق. وفي لبنان يستمرّ الجهد الدولي في تأمين المظلة الدولية الحامية له، والمانعة لأي تفلت أمني، خصوصاً بعد ما جرى في عرسال وتلقّف كرة النار هذه ومحاولة إطفائها، إذ كان أول من تحرك بعد أحداث عرسال هو السفير الأميركي ديفيد هيل، الذي جال على القوى السياسية المختلفة وتواصل مع الجميع من أجل توحيد الرؤى حول وجوب الحفاظ على الإستقرار كما محاربة الإرهاب وطرد الجماعات المسلحة من البقاع. أرفق ذلك بالدّعم السعودي السريع للجيش، بقيمة مليار دولار، واستكمل بإعادة تحريك ملفّ الهبة السعودية الأولى والتي تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات هذا بالإضافة إلى الكلام عن تطور إيجابي على هذا الصعيد، لا سيما بعد الحديث عن شراء لبنان للسلاح من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة.
 

ثمة من يعتبر أن التوافق الدولي الأمني لا يشمل السياسي منه، أي أن تسيير الإستحقاقات السياسية الداخلية ما زالت في أيدي اللبنانيين، حيث لم يطرأ أي جديد، ولكن قد يستفيد اللبنانيون من ظروف الإقليم لتجييرها لصالح إنجاز إستحقاقاتهم، إلّا أن ذلك يبقى مرهوناً في مدى تنازل بعض الأفرقاء عن مواقفهم والإعلان عن إستعدادهم الشروع في صوغ التسوية، لكنه حتّى الآن على ما يبدو طويل وهناك من لايزال يراهن على ساعة الحسم الخارجية.