السفير السعودي علي عواض عسيري لم يكتب مقالاً نشرته "النهار" امس، كتب رسالة محبة عميقة وحرص اخوي على لبنان، الذي خاطبه معنوناً: "لبنان... ستبقى في القلب". انها أربع كلمات تجمع في منطلقها ومراميها خلاصة تفاعلية بين أربع ملكات: الديبلوماسية الراقية، والشاعرية الدافئة، والمحبة الخالصة، والحسرة التي تتركها مغادرة البلد الذي سيبقى في القلب... لبنان.
لست ادري لماذا اختار السفير عسيري ان يكتب رسالة وداعية الى لبنان البلد الذي احب، فليس من عادة السفراء اكثر من القيام ببروتوكولات وداعية، لكن كتابة رسائل ثمينة وراقية ومخلصة ومحبة من هذا النوع، دليل على مدى المحبة التي يكتنزها عسيري للبنان وأهله، والتي ستجعل من العسير عليه ان يغادر الى بلد آخر( باكستان) عمل فيه سابقاً ويكن له الودّ، ولكن باكستان لن تتمكن أبداً من ان تتقدم على لبنان الذي اختار له ابو فيصل مكاناً حريزاً في القلب.
ولست أدري لماذا اختار السفير عسيري ان يبدأ رسالة محبته، باستحضار ما كتبه جبران خليل جبران من ان "المحبة لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق"، بما يعني ضمناً كم يشقّ عليه ان يغادر هذا البلد الذي أحب، وكم يحرص على ان يتعافى هذا البلد ويبرأ ويقوى ويتطور، وقد سرد في سياق رائع ما للبنان على اهله اللبنانيين من واجبات المحبة والتحصين والتطوير والتعمير والتنمية والازدهار.. "وارفعوا أرزه عالياً الى السحاب... وأمّنوا لأبنائكم لؤلؤة مشعّة في هذه المنطقة"!
لقد ذكّرنا ابو فيصل بذلك السرد الذي كتبه جبران في "المصطفى" مخاطباً اهل الجزيرة التي احبها، لكنه من موقعه الديبلوماسي المفعم بالشعور الانساني، لم يتوانَ عن تذكيرنا، ونحن المنهمكين في خلافاتنا وانقساماتنا التي تدمر لبنان، بأن عندنا هواء يستحق ونستحق ان نتنشقه كما فعل مع عائلته لمدة خمسة اعوام، وعندنا شمس ونحن في العتمة، وعندنا ماء ونحن في الظمأ، وعندنا طعام ونحن في الجوع، واذا كان يهون علينا في لبنان ما نحن فيه، فهو يقول: "نحن من تربّى على الاصالة واحترام القيم والتقاليد لا تهون علينا هذه الأمور".
لست ادري كيف تمكنت لياقة الديبلوماسي وجديّته عند عسيري الذي سبق له ان ألّف كتاباً قيّماً بعنوان "مواجهة الارهاب"، من ان تختزن هذا الفيض من الشاعرية والشفافية، اللتين رسمتا بينه وبين لبنان طريقاً يفضي الى القلب و"لبنان ستبقى في القلب"... وآه وألف آه لو تتسع قلوب اللبنانيين!
لقد دأب خادم الحرمين الشريفين على القول ان "لبنان مقلة العين وواسطة العقد"، ولم تتوقف مبادرات القادة السعوديين يوماً عن ترجمة محبتهم للبنان، ورسالة عسيري الحميمة كتبت بحرارة حبر المملكة ومحبتها.