تساءل كثيرون عن سفر الرئيس سعد الحريري إلى جدّة بهذه السرعة، وضعها الجميع في إطار وضع اللمسات الأخيرة على كيفية صرف المليار دولار السعودية لدعم الجيش، لكنّ زيارة الحريري إلى المملكة تتخطّى قضية المليار الدولار التي أصبحت في عهدة الدولة اللبنانية وتناقشها الحكومة على طاولتها، هدف الزيارة هو أبعد من ذلك ليعيد تحريك وتسريع صرف الهبة السعودية الأولى والتي تأخرّت لأسباب عدّيدة من بينها لوجستية وأخرى فرنسية.
 

سفر الحريري إلى جدة ليس من أجل البحث في سبل صرف وتوزيع المليار دولار الذي أودع لدى مصرف لبنان بتصرّف الدولة من أجل تعزيز وتسليح أجهزتها الأمنية، فهذا دخل حيّز التنفيذ. بحسب معلومات "المدن" من مصدر بارز مطّلع على هذه التفاصيل، فإن زيارة الحريري هي من أجل تحريك الهبة السعودية الأولى وقيمتها ثلاثة مليارات دولار، والتي شابتها بعض المشاكل بين المملكة وفرنسا، إذ تطلب شركة أوداس الفرنسية المصنعة للأسلحة عمولة على بيع الأسلحة للجيش قيمتها 150 مليون دولار، إضافة إلى عمولات أخرى يستفيد منها أشخاص آخرون من بينهم لبنانيون، لكن السعودية رفضت ذلك واعتبرت أن هذا المبلغ هو هبة وليس شراء سلاح من السوق السوداء وبالتالي غير خاضع لمبدأ العمولة. 
 

وفي التفاصيل، فإن الحكومة الفرنسية لم تستجب للمطالب اللبنانية، إذ لم يأت الجواب الفرنسي إيجابياً على لائحة المطالب التي تقدّم بها الجيش، المصادر الفرنسية تتحدّث عن أن البطء في التسليح مردّه إلى أمور بيروقراطية في الدولتين أي في السعودية وفي فرنسا، أما عن أنواع الأسلحة فتقول المصادر لـ"المدن" إن الأسلحة المطلوبة من الجانب اللبناني غير موجودة كلّها في المخازن الفرنسية، وهذا ما يحتاج لبعض الوقت من أجل تصنيعها وتأمين هذه الإحتياجات بالكميات المطلوبة، كما أن الدولتين دخلتا في العطلة الصيفية ما يعني أن الأعمال التي تسيّر فيهما هي أعمال روتينية وليست أعمالا بهذا القدر من الأهمية.
 

عسكرياً، فإن لائحة المطالب التي تقدّمت بها قيادة الأركان في الجيش إلى الجانب الفرنسي، تضمّنت مطالب بأسلحة نوعيّة، وفي تفاصيل الدراسة، وحسبما تشير مصادر "المدن" فإن الجيش يطمح من خلال هذا الدعم، الى تسليح وتجهيز فرقة مؤلّفة من ثمانية آلاف عنصر بأحدث الأعتدة العسكرية، أي ليس تجهيز الجيش بأكمله خصوصاً أن سلاحه المعتاد هو أميركي وفي المنطق العسكري فإن أرادوا تسليحه بكامله بالسلاح الفرنسي بموجب الهبة يعني ذلك الإستغناء عن كل السلاح السابق وبدء التسلح من جديد، فرسا القرار على خيار تسليح هذه الفرقة، حيث طلب الجيش لها طيراناً حربياً مروحياً، ومدفعية ميدانية متطورة بالإضافة إلى الآليات والذخيرة الكافية مع قطع الغيار وتكاليف الصيانة.
 

هناك احتمالان أمام عمل الرئيس الحريري في جدّة، أولاً يريد إعادة تحريك هذا الموضوع، من أجل تسريع التسليح وبنوعيّة جيّدة وتمنح لبنان قوة عسكرية رادعة إلى حدّ كبير، لذلك تأتي زيارة الحريري هي إما لتحريك العقد السعودي الفرنسي غير الجاهز وبالتالي تحويل مبلغ الثلاثة مليارات إلى مصرف لبنان والدولة اللبنانية هي من تتولى عمليّة الشراء والصرف على الأعتدة والأسلحة المطلوبة من السوق السوداء على غرار المليار الأخير، أو لتعود فرنسا وتلتزم بالشروط اللبنانية السعودية من أجل بقاء الصفقة سارية معها.