يتقلّب المسيحيون في الشرق على جمر ظلم يتعرّضون له في موجة الإستعار المذهبي، لا تنفصل معاناتهم في الحرب عن معاناتهم في السلم، المثال الجليّ على ذلك هو الواقع المسيحي في لبنان، إن كان سياسياً أو إجتماعياً أو إدارياً أو إقتصادياً. هنا حيث حضورهم السياسي الأقوى والأوسع والأبرز، يحرمون أنفسهم من نعمتهم، على الأقلّ حسبما يعلّق بعض القادة المسيحيين الذين يراقبون مجريات الأحداث، وما يصيب أصحاب إضافة التنوع المشرقية وسط كلّ ما يجري.

في التعليق على الواقع السياسي للمسيحيين يعتبر أحد السياسيين المسيحيين الذي ينأى بنفسه عن الدخول في التفاصيل السياسية والسلطوية، أن "حالة الضحالة التي يعيشها المسيحيون في لبنان على الصعد الدولتية كافة، هي نتاج ما تصنعه أيدي زعمائهم، ليصحّ القول بتصرّف :"وظلم أبناء الجلدة الواحدة أشدّ مضاضة".

المتألم الأكبر من الواقع المسيحي اللبناني المزري، هي الكنيسة المارونية، لا تخفي البطريركية سخطها وغضبها من أداء السياسيين، ومن إهدارهم لحقوق مواطنيهم، وتسخيفها إلى حدّ ربطها بشخصهم، وكأن وجود الديانة والطائفة ترتبط بأشخاص، تعتبر مصادر بكركي لـ"المدن" أن "ما يجري في العراق من إضطهاد للمسيحيين، جرى مثله ولكن بشكل مختلف في لبنان بحق الشعب المسيحي على أيدي قياداته، وما المشاهد التي نراها اليوم من فراغ الموقع المسيحي الأول من رئيسه، والهجرة المسيحية المتزايدة سوى أبسط دلائل على ذلك". تتحسّر الكنيسة وتأمل أن يستفيق المسؤولون من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه. تراقب إستمرار الفراغ، والحديث الجدّي عن التمديد.

في السياسة، يبدو المسيحيون أنهم يذهبون بجريرة المسلمين، يتقسّمون على حلفين سياسيين، يلتحقون بهما وبسياستهما، لكنّهما لا يصنعان السياسة بل يعملان بها، سلّموا بالأمر الواقع، غرقوا مع المسلمين في الفراغ الرئاسي، عوضاً عن إنتفاضة أملتها بكركي لتعيد لبعبدا رئيسها، تذهب آمال الكنيسة سدى، ليبقى تعويلها على أخذ مبادرة مسيحية بعد تنازلات من القيادات تنتج حلاً لأزمتهم، وبعد التسليم بالفراغ، ها هم يتجّهون بلا إرادتهم إلى التمديد للمجلس النيابي، وهذا ما ترفضه بكركي وتعتبره تنازلاً جديداً.

في الظاهر، يأتي التمديد كذريعة لعدم إجراء الإنتخابات النيابية قبل الرئاسية، مدعّماً بخطابات سياسية تدّعي الحرص على الموقع المسيحي الأول، وأن الإستحقاق الرئاسي يتقدّم على كلّ الإستحقاقات. تذهب الكنيسة في رؤيتها إلى أعمق من ذلك، تطالب نوابها بعدم المشاركة بهذه الجريمة، وإفقادها أي ميثاقية، لا بل ترسم خطوطاً مشروطة للتمديد، بحيث يوضع في مقابل إنتخاب الرئيس الجديد. لدى بكركي طرح سياسي قابل للمقايضة برأيها، لكنه ليس كذلك بالنسبة للسياسيين، فهي تريد منهم عدم الموافقة على التمديد إلّا بعد خروج الجلسة نفسها برئيس جديد، تقول مصادرها لـ"المدن": لماذا علينا التمديد لرئيس المجلس وهو موقع شيعي ونحن لا ننتخب رئيس الجمهورية وهو مسيحي؟ كيف نقبل بذلك؟ لماذا لم يقبلوا بإستمرار الرئيس ميشال سليمان في موقعه لإنتخاب غيره إن كانوا يريدون التمديد لرئيس المجلس؟ يجب أن تكون المعادلة: موقع في مقابل موقع".

كلام بكركي هذا لا يلقى آذاناً سياسية صاغية، حيث ينقسم الفريقان المسيحيان المتوزعان على قوى الرابع عشر والثامن من آذار ظاهرياً حول الموقف من التمديد فيما يؤيّدونه ضمنياً، والحجّة الدائمة "علينا النظر بواقعية، والحرص على إستمرار المؤسسات". يعتبر النائب جورج عدوان لـ"المدن" أن التمديد هو أمر واقع ولا يمكن إجراء الإنتخابات في ظل الشغور، فمن سيكلّف رئيساً لتشكيل الحكومة؟ ومن سيجري الإستشارات النيابية الملزمة في غياب الرئيس؟ لذلك لا يمكن إلا التمديد للمجلس.

عند طرح وجهة نظر بكركي، يعتبر عدوان أن "همّ القوات الأساسي هو الحفاظ على كيانية الدولة، ولا يعنيها التعاطي بهكذا أمور مصيرية بنوع من المزايدة والشعبوية". يؤكّد أنه "بحال عدم التمديد للمجلس وعدم إنتخاب الرئيس فنكون ننفذ ما رسمه حزب الله قبل سنتين وهو الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي جديد". في المقابل، يعتبر أحد نواب تكتل التغيير والإصلاح لـ"المدن" أنهم ضد التمديد لكنّه سيحصل، وهم لن يستطيعوا منعه. وعن طرح بكركي يقول إنه بعيد عن الواقعية وما يطلبونه هم هو إجراء الإنتخابات النيابية قبل الرئاسية.

التمديد حاصل، المسيحيون عاجزون عن استرداد زمام المبادرة، أقصى ما يفعلونه إلى جانب تعنّتهم الذي يضرّهم، هو التعاطي مع الإستحقاقات بشعبوية وإن بنسبة مختلفة، وهنا تبقى المسؤولية ملقاة على عاتقهم في الخروج من حدود تفكيرهم الآنية إلى مرحلة التفكير الإستراتيجي وما يسهم في تأمين دورهم والحفاظ عليه وتعزيز وجودهم.