تساق الاقليات في العراق وسوريا الى التصفية الوحشية، ذلك ان الأخبار عن دفن الأيزيديين والمسيحيين أحياء وبيع نسائهم كسبايا في نينوى ليست آخر فصول التكفيريين، ففي ظل توسّع سيطرة "داعش" لن يسلم الأكراد ولا السنّة (عرسال كانت نموذجاً) ولن يسلم الشيعة ايضاً!

لم يسبق في اكثر حقبات التاريخ سواداً ان حصل ما يحصل من التنكيل والسفك الماجن للدم، وفي المقابل لم يسبق ان قوبلت هذه الجرائم المروعة بالصمت المريب وبالتعامي الأحمق، الذي لن تمحوه لا بيانات الإدانة ولا الغارات الجوية الاميركية الاستعراضية على تخوم اربيل، وقد يكون من المناسب ان نتذكر انه لو ردّت اميركا بغارة واحدة على سوريا بعد مذبحة الكيميائي في الغوطتين، ولو نفذ باراك اوباما تهديده يومذاك، لما كانت المنطقة على ما هي الآن!
هل هو زمن الذبح للأقليات الذين يرى تنظيم "داعش" انهم من عبدة الشيطان ويجب تصفيتهم؟
بهذا المقياس ليس من المبالغة القول ان اللبنانيين جميعاً هم مجموعة من الأقليات المحلّلين للذبح، وبهذا المعيار يكتسب حراك وليد جنبلاط وآخره الأحد في الشحّار الغربي اهمية، تضاف الى اهمية عودة سعد الحريري وقوله "اننا لن نسمح لقلّة من المتطرفين بخطف الاسلام وتهديد الوطن والأمة"!
"ما يحصل حولنا كوارثي، ونحن كلبنانيين أقلية، وأفضل لنا ان لا نتدخل لنحمي انفسنا وعلينا ان نجلس سوياً ونتكلم حتى لو كنا نختلف على من تدخّل اولاً في سوريا، فهذه كانت غلطة يجب تصحيحها بالحوار الداخلي".
ولكن على من يقرأ جنبلاط مزاميره بهذا الكلام، وهو العارف ان من المستحيل بعد كل ما جرى من تفجّر الكراهيات والاحقاد المذهبية في طول المنطقة وعرضها، ان يتمّ تحييد لبنان عن هذا الجنون، ما لم نتفق جميعاً على ادخاله محجراً سياسياً ومذهبياً، بإقفال حدوده في وجه النيران المستعرة والتي ستتفجر اكثر فأكثر!
لقد فتحت عودة سعد الحريري باباً واسعاً لحوار وطني يركّز على القواسم المشتركة التي تجمع كل اللبنانيين، فالزمن لم يعد يتسع للخلافات، وعندما يخصص خادم الحرمين الشريفين هبة عاجلة لدعم الجيش والقوى الأمنية، فهذا على الأقل درس ليخصص السياسيون قليلاً من التنازل والتواضع والتعقّل لتحييد بلدهم عن النار التي تتهدده بسبب انقساماتهم، وخصوصاً في هذا الزمن الرديء وقد استباحت الوحشية كل شيء.
ان انقاذ لبنان وحمايته وقيامه من الوهن الذي يراوح فيه لا يمكن ان يتم بعد درس عرسال الموجع الا بتعاون قياداته كلها، واذا كانت عودة الحريري تشكّل دعماً قوياً لمسيرة الاعتدال فمن الضروري تكاتف الجميع لمواجهة فيروس الارهاب الذي يمكن ان يتهدد كل مكونات المجتمع اللبناني!