لا يمكن فصل عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، عن ما يجري من تحوّلات في المنطقة، كما لا يمكن حصر هذه العودة بالشأن الداخلي اللبناني. التوقيت يأتي في لحظة مهمّة إنطلاقاً مما يجري في الإقليم المتشظي، فلا تحتمل أية قوّة إقليمية الغياب عن أي بقعة من بقع الشرق الأوسط، من هنا اتت العودة بزخم مدعوم مالياً وسياسياً. خلط الأوراق الجاري يفرض إعادة تجميع كلّ فريق لأوراقه لإستجماع قواه وتحسين فرصه وشروطه.
 

السؤال الذي لا جواب عليه إلى اليوم، أين السعودية من عودة الحريري؟ 
في خطابه الأخير، أعلن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز الحرب على الإرهاب. ويقول بعض المطلعين على القرار السعودي بعودة الحريري إن الرياض "تريد إثبات نفسها في المعارك التي تخوضها في المنطقة، بدءاً من محاربة الإرهاب، وصولاً إلى مواجهاتها الكثيرة. وهي تريد تجديد سياستها وتعزيز حضورها في ظل الهجوم الذي يتعرّض له نفوذها بالمنطقة خصوصاً من قبل إيران وتركيا. ومن هذا الواقع يُمكن قراءة توقيت وأسباب عودة الحريري، رجلها الأوّل في لبنان".

 

بحسب المعطيات المتوافرة لـ"المدن"، فقد عادت السعودية من باب التحدّي الميداني، هناك تطورات ميدانية وسياسية أوصلت المملكة إلى قناعة بأنها على شفير خسارة بلد كانت وما زالت ترعاه، لذلك عادت بزخم حيث لم يعد من مجال للإنتظار، تريد إعادة إمساك زمام الامور، فضلاً عن الوضع داخل تيّار المستقبل والهدف هو إعادة توحيد وجهات النظر، حيث كانت الخلافات داخل البيت الواحد كبيرة وكان حلّها يحتاج إلى السفر إلى جدّة من أجل التشاور، وهي خلافات ساهم في تسعيرها غياب الحريري، وأدت إلى تراجع نفوذ المستقبل مقابل صعود ديني ـ سنّي لا يخدم مصلحة المملكة بأي شكل من الأشكال.
 

تؤكد الأوساط نفسها أن "عودة الحريري في الميزان السعودي لا علاقة لها بأي تقارب مع إيران، إذ إن الأمور إلى الآن بين الدولتين على حالها بل أسوأ من ذي قبل، وخاصة مع الإشارات السلبية التي تقدمها إيران في العراق، وشبه الإنقلاب الذي يقوم به رجلها الأول نوري المالكي"، مشيرة إلى أن "السعودية كانت أمام خيارين، إمّا ترك لبنان ليتحوّل إلى بقعة متفجرة لا تسيطر عليها، أو إعادة الحريري كي يلعب دور حامي الإستقرار، مستغلّة عدم قدرة حزب الله على التصعيد معه، كونه من مصلحته أن يحيّد لبنان في هذا الظرف".
 

وبرأي بعض المقربين من بيت الوسط، فإن وجود الحريري في بيروت مع المليار دولار، وفي ظل شغور موقع الرئاسة الأولى، سيوحي وكأن التعامل الدولي والإقليمي سيمرّ عبر الحريري، وتأخير إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، سيعزز وضع الحريري اكثر، وعليه هذا ما سيفرض على قوى الثامن من آذار الإسراع في إنتخاب رئيس جديد.
 

إذاً، تعتبر السعودية أن لبنان هو الورقة التي لا يمكن التفريط بها أو خسارتها، خصوصاً في ضوء الصراع المستمرّ في العراق وسوريا، حيث تعتبر السعودية نفسها خاسرة هناك. لذلك عادت إلى لبنان بقوّة، لإمساك زمام الأمور فيه، دخلت من الأبواب الواسعة: تسوية عرسال، دعم الأجهزة الأمنية اللبنانية أجمع، إنجاز إنتخاب المفتي وحفظ ماء وجه المفتي السابق، هذه العوامل تشير إلى أن السعودية تريد إنتشال الشارع السنّي من ضعضعته، إذ لا يمكن حصر الدعم المادي السعودي بالمليار دولار للأجهزة الأمنية، بل إن المعلومات تتحدث عن دعم مالي كبير لتيّار المستقبل من أجل إعادة تفعيل عمله السياسي والتنموي.