للمرة الأولى لا يخضع حدث لبناني لكثير من القيل والقال، إذ يبدو أن اللبنانيين على اختلافهم في كل شيء، بدأوا يشعرون بالخطر المحدق بهم من كل جهة. وثاب بعضهم الى رشده متخلياً عن مغامرات لا تنفع المصلحة العامة، وانما تحقق منافع قليلة ومرحلية لا تلبث أن تتبدد.
لقد رحب اللبنانيون بعودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان كاسرا حاجز الخوف من اغتيال جسدي، بعدما كان صدر قرار بتصفيته سياسياً من دمشق ونفذ آنذاك بإسقاط حكومته وهو يطأ عتبة البيت الابيض، لتبدأ مرحلة جديدة ظلت متعثرة، ولم تتمكن الحكومة اللاحقة من تحقيق تقارب ولقاء وطنيين، بل عجزت ايضا عن تسيير شؤونها، ومواجهة تداعيات الأزمة السورية على لبنان.
لكن الأهم من عودة الرئيس الحريري، التي يمكن أن تكون دائمة أو موقتة، تبعاً للظروف، هو استثمار هذه العودة، وملاقاته في خطابه الايجابي الذي يضع أصبعاً على الجرح النازف باستمرار، من أجل العبور بلبنان الى بر أمان صار صعباً، ويراه البعض مستحيلاً في ظل اللاأمان الذي تعيشه المنطقة برمتها.
لقد تجمعت في اليومين الاخيرين جملة عوامل ايجابية بدأت بعودة الحريري، ثم بانتخاب مفت جديد للجمهورية، وبلقاءات ومواقف سياسية إيجابية، تبعت الموقف الأبرز الداعم للبنان، وهو الهبة التي قدمها خادم الحرمين الشريفين لدعم الجيش وقوى الأمن في مواجهة الارهاب. وهذه الخطوة تفيد مادياً ومعنوياً، فهي توفر للجيش مقومات صمود ومواجهة للارهاب الوافد بكثرة من البوابة السورية، وترسي استقراراً معنوياً فلا يشعر اللبنانيون بأنهم متروكون لأقدارهم في ظل عجز عسكري عن مواجهة الاخطار الكبيرة التي تلف الدول المحيطة وتبيح المحظورات وتقضي على التنوع والتعدد كما يجري في العراق وسوريا.
لعل عودة الحريري لا تحقق أعجوبة، لكنها بالتأكيد تساهم في تقريب مسافات الحوار الوطني، وكل تقارب مطلوب، وملح، في ظل الشغور الرئاسي، بل الفراغ في الدولة على كل المستويات.
عودة الرئيس الحريري تتطلب احتضانا لمشروع ولطائفة ولاعتدال ولانفتاح، والاحتضان يترجم أفعالاً، لئلا تظل الأقوال حبراً على ورق، وتضيع الفرصة تلو الأخرى، ويضيع لبنان.