احد ابرز الخلاصات التي افضى اليها القطوع الذي مثلته احداث عرسال في الايام الاخيرة ان لبنان لا يزال يحظى بمظلة دولية تمنع انسياقه الى اتون الحرب السورية. فالبيان الصحافي الذي صدر عن مجلس الامن بمبادرة من فرنسا وبموافقة الدول الاعضاء الـ15 اعلن الدعم للجيش اللبناني والقوى الامنية وجهودهما في منع تقويض استقرار لبنان وندد بهجمات الجماعات المتطرفة، مناشدا كل الاطراف اللبنانيين المحافظة على الوحدة الوطنية بما يتفق مع التزامهم اعلان بعبدا، ومشددا على اهمية ان يحترم كل الاطراف اللبنانيين سياسة النأي بالنفس والامتناع عن اي تورط في الازمة السورية. يعني ذلك ان تورط افرقاء لبنانيين في الصراع السوري قد يكون اتى للبنان بالحرب في عرسال. ولم يربط البيان ما يحصل في عرسال، بتطورات العراق والغاء تنظيم داعش الحدود بين العراق وسوريا وانتقاله الى لبنان للغاية نفسها، وفق ما رأى البعض. بدا الامر بالنسبة الى مجلس الامن محصورا بتداعيات الحرب السورية ليس الا. والبيان الصحافي ليس بقوة القرار الذي يمكن ان يصدر عن المجلس والذي سيكون متعذرا على الارجح، لكنه يكتسب اهميته في ظل اختلاف دولي لا بل توتر اميركي اوروبي مع روسيا على سائر القضايا الاخرى من اوكرانيا الى سوريا وكل ما يجري في المنطقة، ويعبّر في الحد الادنى عن الارادة الدولية ككل في المحافظة على استقرار لبنان. يبقى لبنان، إذاً، نقطة التقاء من المفيد تحييدها عن الصراع المتفجر في المنطقة. فرنسا والولايات المتحدة سارعتا الى ابداء الاستعداد للمساعدة. والاتحاد الاوروبي عبّر عن قلقه الشديد حيال التحديات على المستويات الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان نتيجة النزاع في سوريا. وعلى صعيد الاعلام العالمي بدت التطورات في عرسال ملحقة بالتطورات العسكرية المتفاقمة في سوريا والانباء المتزايدة عن اتساع نطاق الاشتباكات وعبورها الى لبنان عبر النازحين اكثر منها حربا داخلية تتعلق بلبنان وان كانت احداث عرسال شكلت نذيرا باحتمال الوصول الى هذه الحرب.

والأهم في سياق استمرار الحرص على استقرار لبنان وعدم تعريضه للسقوط وتحويله ساحة اضافية تستكمل الصراعات الملتهبة في كل من العراق وسوريا، هو الاستثمار الجديد للمملكة العربية السعودية في امن لبنان واستقراره عبر هبة جديدة بمليار دولار للجيش اللبناني والقوى الامنية في مواجهة الارهاب كرسالة سياسية ومادية في غاية الاهمية من حيث الشكل والمضمون على حد سواء. فمَن يمول او يدعم التنظيمات الارهابية يجب ان يتلقى هذه الرسالة، وكذلك الامر بالنسبة الى قادة هذه التنظيمات وكل مَن يمكن ان يوظف ما حصل من اجل تسجيل مكاسب كما هي الحال بالنسبة الى النظام السوري مثلاً، الذي رأى البعض في ما يجري في عرسال فرصة لبدء اعادة الشرعية الى النظام عبر البوابة اللبنانية والتنسيق معه، وفق ما يسعى له النظام منذ اشهر.
ولا يقل اهمية في هذا السياق الموقف المهم جدا للرئيس سعد الحريري مما جرى في عرسال والذي اقل ما يقال فيه انه موقف رجل دولة مسؤول في الساعات المفصلية لم يتهاون او يتردد في الوقوف في وجه الجميع بمن فيهم تنظيمات او شخصيات من ابناء طائفته تخوفوا من مخطط ما لعرسال بناء على احتقانات مذهبية سابقة، من اجل عدم تعريض وحدة لبنان واستقراره للخطر ومنع انجرار السنّة الى حرب اضافية قد تريدها تنظيمات او حتى دول لاعتبارات لا مجال للدخول فيها، لكن قد تكون مطلوبة لجهة ما يعتقده البعض ان امتداد الازمة السورية على النطاق الذي باتت عليه مهددة لوحدة العراق فمهددة لوحدة لبنان، وما يعنيه ذلك من وصول الازمة الى الحدود مع اسرائيل ربما يساهم في تغيير قواعد المقاربة وتاليا البحث عن حلول مختلفة عما تم اقتراحه حتى الآن.
الاسئلة، بالنسبة الى مصادر سياسية، هي اذا كان ثمة مَن يمكن ان يلاقي الحريري في منتصف الطريق من اجل استكمال منع انجرار لبنان وتأمين مرتكزات وحدته. هل يمكن ان تلاقي ايران المملكة السعودية من خلال التعبير عن ارادة مماثلة بالمحافظة على استقرار لبنان عبر اي خطوة تساهم في تدعيم هذا المسار خصوصا في ظل مصلحة لها مفترضة بعدم انفجار امني يهدد متكسبات "حزب الله" وموقعه. وهل يرغب المسيحيون في المساهمة وباي طريقة لا تبقيهم اسرى ردود فعل فحسب؟ اذ ان ما جرى في عرسال وان مسّ في شكل اساسي الطائفة السنية كونه وضع الجيش في مواجهة مسلحين يحتمون بابناء البلدة، الا ان لبنان كله معني بما حصل لكونه على صلة وثيقة بالازمة السورية ولا يعتقد ان التحديات التي تواجه لبنان على صعيد تداعيات الوضع السوري ستتوقف عند حدود ما حصل حتى الآن. وتبعا لذلك لا يفترض ان تكون اشادة افرقاء لبنانيين بالوحدة التي عبّر عنها مجلس الوزراء وبالتضامن مع الجيش مجرد عبارات موقتة خدمت اللحظة الحرجة التي احتاج اليها الجميع في ظل تعاظم المخاوف من انتقال الحرب السورية الى لبنان. ولا كذلك ان يتمتع الافرقاء بترف استمرار وجود مظلة حامية للبنان امنت عبور قطوع عرسال من اجل استمرارهم في اعتماد السلبية في مواقفهم.