الرسالة التي وجّهها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي لمواجهة الإرهاب، وضمنها جملة مفتاح، تشكّل الإنذار الثاني بعدما كان قد حَذّر من دعم الإخوان المسلمين في مصر.

عندما وقفت الولايات المتحدة في وجه التحوّل المصري مع عبد الفتاح السيسي وأعلنت تضامنها مع حكم الإخوان في مصر، وَجّه الملك عبدالله إنذاره الأول والتاريخي، وقال بما معناه: نحن في هذه اللحظة نضع كلّ ثقلنا إلى جانب مصر ضد الإخوان حتى لو اقتضى ذلك إعادة النظر في التفاهمات الاستراتيجية مع واشنطن.

وهذا الموقف أدى إلى تحييد أميركا عن الحدث المصري ودَفعها إلى احتواء أزمتها المستجدة مع الرياض وإعادة ترميمها. وفي هذا الإنذار الثاني لا يدقّ الملك ناقوس الخطر فقط من خطر الإرهاب في المنطقة ومن تغاضي المجتمع الدولي عن هذا الإرهاب، إنما يضمّنه تحذيراً إلى الغرب وأميركا بأنّ دعمهما لانتفاضات الربيع العربي وتبشيرهما فيها أصبحا على المحك، حيث أنّ دعواتهما للإصلاح والديموقراطية والحرية ستظهر بأنها مجرد إدعاءات كاذبة وكلام خال من أيّ مضمون.

كما أنه يحذّر هذا المجتمع من أنه في حال لم يتصد فعليّاً للإرهاب التزاماً بإعلاناته الدائمة المتصلة بنَبذ العنف والقتل والحروب والدعوة إلى السلام وبناء أنظمة ديموقراطية تحترم الحريات والتعددية والتنوّع، فسيكون كل المسار التراكمي-التعاوني بين المجتمع العربي والإسلامي وبين المجتمع الدولي لمواجهة هذه الآفة معرّضاً للانهيار.

وكان هذا المسار قد انطلق مع مؤتمر مدريد وتمّ تفعيله بعد أحداث 11 أيلول 2001 والمبادرة العربية للسلام في العام 2002 بالدعوة إلى حل متوازن للقضية الفلسطينية ونَبذ كلّ التطرف الفلسطيني، كما بإنشاء مؤسسة الحوار في سبيل تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات من أجل السلام.

وفي هذا السياق لا بد من الإقرار أنّ السعودية هي من أكثر الدول انخراطاً في محاربة الإرهاب وتقيم شراكة فعلية مع الغرب على هذا المستوى، كما تقود فكرة نظام المصلحة العربية، وقد ظهر ذلك في الحدث المصري، ومن ثم في الأزمة السورية، ودائماً في الحدث الفلسطيني، وهي مستعدة للذهاب في هذا الخيار إلى النهاية من خلال مواجهة كلّ من يهدد نظام المصلحة العربية من قبيل إسرائيل وإيران وتركيا والموقف الغربي الذي يتلاعب بالتوازنات الموجودة في المنطقة.

وأهمية نظام المصلحة العربية أنه لا يذهب باتجاه القومية العربية، ولا فكرة الإسلام السياسي بوَجهيه السني (الإخوان المسلمين) والشيعي (ولاية الفقيه)، الذي يستلهم نظرية الإخوان في موضوع الإسلام السياسي، الأمر الذي يجعل هذا الإسلام بشقّيه السنّي والشيعي يندرج في سياق المنطق الواحد والمآل الواحد.

فالمشترك بين القومية العربية والإسلام السياسي هو نسفهما لفكرة الحدود والكيانات والوطنيات، فيما نظام المصلحة العربية يزاوج بين سيادة كل دولة على أرضها واستقلالها عن الأخرى وبين الرابط الثقافي الذي يجمع بين الشعوب العربية.

وفي هذا السياق بالذات يأتي الموقف التاريخي من لبنان الذي تجسّد في اتفاق الطائف ودعم كل ما يساعده ضمن رؤية نظام المصلحة العربية على خيارات كلية واضحة تتلخّص بمسألة الإيمان بالسلام في هذه المنطقة من العالم.

وأمّا لجهة الكلمة المفتاح الواردة في كلمة الملك السعودي فتتمثّل بانتقاده الصمت المريب للمجتمع الدولي حَيال المجازر الجماعية والحرب ضد الإنسانية التي لم تستثن أحداً، وتحذيره هذا المجتمع بأنّ ذلك سيؤدي إلى «خروج جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضاً السلام ومؤمناً بصراع الحضارات لا حوارها».

فالرسالة الأساسية التي أراد توجيهها للمجتمع الدولي بأنه في حال واصلَ سياسة الصمت وعدم الاكتراث، فإنّ كل الأفكار والمساعي المتصلة بحوار الحضارات والسلام والاستقرار ستنهار لمصلحة الحروب المستدامة والمفتوحة التي يخطئ كلّ من يظنّ بأن في إمكانه حصرها ضمن حدود معينة.

فالحرب على الإرهاب إمّا تكون معولمة أو يصبح الإرهاب معولماً، ولا خيارات وسطية في هذا المجال. وما تشهده المنطقة العربية اليوم سيمتد إلى عمق العالم الغربي غداً إذا لم تتجَنّد كل القوى لمواجهته.

والإشارة الأقوى في الرسالة تكمن بتحذيره من «خروج جيل لا يؤمن بغير العنف»، وتكفي في هذا السياق المقارنة بين الوضع مع بدايات الثورة السورية واليوم، حيث أنّ العنف يتوسّع ويتجذر ويتعمّق، ما يعني أنّ عدم التحرك سريعاً لإنهاء الأزمات المشتعلة، سيولّد أزمات متتالية ويحوّل المنطقة إلى بركان من الدم، ويلزم العالم الدخول في حرب عالمية ضد الإرهاب.

ومن أجل استئصال هذا الإرهاب يجب على المجتمع الدولي أن يُسارع لحلّ ثلاث أزمات متتالية: إسقاط النظام السوري، كَفّ يد إيران الإقليمية، حلّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بإلزام تل أبيب تطبيق بنود المبادرة العربية للسلام.