قبل عام ونيّف انتشر فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي، يظهر مرور آليات للجيش اللبناني بالقرب من مسلّحين يتباهون بأعتدتهم العسكرية في البقاع، إجتازت آليات الدورية "حاجز" المسلّحين، من دون الإلتفات إلى العناصر الخارجة عن القانون. أكملت طريقها إلى حيث يحتجب المسلّحون عن النظر. أثار هذا الشريط استنكاراً واسعاً في الأوساط الشعبية والمدنية، سياسياً لم يتفاعل أحد مع ما جرى، ولم يصدر أي موقف رسمي يدين ما حصل أو حتّى يسأل عنه.   اليوم وفي هذه المرحلة تحديداً، تخطّت أحداث البقاع كلّ المحظور وكلّ ما هو منطقي. ما عاد الظهور المسلّح يقتصر على بضع بنادق ورشاشات، هناك من حوّل المنطقة إلى جبهة عسكرية في ساحات الحرب، فيديوهات بالجملة يتباهى عارضوها بتحرّكاتهم العسكرية ضمن آليات ليست بحوزة الدولة وأجهزتها التي من المفترض أنّها تنفّذ خطّة أمنية إستثنائية في تلك المنطقة.   منذ أسبوع ويعيش البقاع حالة حرب معلنة، زالت الحدود بين لبنان وسورية، وغاب حارسوها من أبناء الدولة، يدخل حزب الله بعتاده وعديده من لبنان إلى سورية دون حسيب أو رقيب، أيام وليال من الإشتباكات العنيفة في جرود نحلة ويونين الحدوديتين، قتلى وجرحى لبنانيون، قصف سوري على جرود عرسال مع سقوط ضحايا، والدولة غائبة، لا أحد يعرف بحقيقة ما يجري.   يعود سؤال الجميع عن الجيش، أينه؟ أين دوره؟ لماذا لا يمنع دخول وخروج المسلّحين؟ أين هي الخطّة الأمنية؟ وإن لم يستطع القيام بكلّ ذلك، لماذا لا يصدر بياناً يذكر فيه ما حصل، وكم هو عدد القتلى، وكيف قتلوا؟ أليسوا لبنانيين؟ أليست عرسال ونحلة ويونين بلدات لبنانية؟   تسخر شخصيات سياسية عدّة من هذه الأسئلة، وتسأل، ما هي الرؤية اللبنانية للدفاع عن الأراضي اللبنانية وصيانة الحدود؟ لماذا سمح للمستبيحين أن يدخلوا ويخرجوا، ويقتلوا ويذبحوا؟ يشير سياسيون لـ"المدن" إلى أن المشكلة تتوزّع على عدة أصعدة. هناك من يعتبر أن إنقلاباً عسكرياً حصل على السلطة السياسية، لم يلتزم الجيش الحفاظ على الأمن والحدود. آخرون يقولون إن الجيش وعلى الرغم من إنتشاره، يحتاج إلى غطاء سياسي. لكن ماذا عن الخطة الأمنية؟ بعد إقرارها حظي الجيش بالغطاء فأين دوره؟   منذ عام 2011 وتكثر المطالبات بنشر الجيش على الحدود، لم يستجب أحد، الذريعة كانت بأن لا عديد يكفي لتوسيع هذا الإنتشار في المناطق الجردية، ولكن في ما بعد، وبعد ثلاث سنوات حُكي عن خطة أمنية للبقاع، لا سيما لما أسموه بمربّع الموت، إنتشر الجيش، واستمرّت الجبهات على إشتعالها، لا بل تفاقمت الأوضاع العسكرية وعمليات الإنتقال إلى سورية ومنها لبنان.   من البقاع لا بدّ من الإنتقال إلى عكّار، قذائف نظامية سورية وصواريخ قاتلة، عشرات الضحايا، قتلى وجرحى، لم يحترم لبنانيتهم أحد، ماتوا "عالسكت"، وحده دوي القصف والصواريخ هو الذي خرق صمت موتهم، كان الجيش يكتفي في بيانات تؤكد الحادثة، من دون إتخاذ أي إجراءات ردعية.   أكروم قرية عكارية، فيها أكثر من خسمة آلاف عسكري في الجيش اللبناني، هي دوماً تحت مرامي نيران قوات النظام السوري، يسأل أهاليها أين الجيش؟ أحد نواب المنطقة يقول ما هي واجبات الجيش؟ لا يطلب نواب المنطقة ووجهائها سوى إنتشار الجيش على الحدود، لا يطلبون دخوله بمعارك، بل يعتبرون أن مجرّد وجوده يشكّل مظلة أمان ويرسي هدوءاً في نفوس القاطنين.   كثر يؤكدون أنهم لن يقبلوا بأن يكونوا شياطين خرساً، بصمتهم عن حق الناس بالحياة. ما عساهم أن يفعلوا؟ لا جواب واضح، لبنان جمهورية مغتصبة، لا يقوى أبناؤه على أكثر من الصراخ، لا يمكنهم سوى أن يرفعوا الصوت عالياً لعلّ تستيقظ الحياة في نفوس الأموات ويمنّ الله على أهالي المناطق الحدودية الحالمين بالحياة بالأمن والأمان. - -2038