راقبت مصادر ديبلوماسية تطورات الوضع في الجنوب اللبناني عن كثب في ضوءعمليات اطلاق الصواريخ الذي تكرر من الجنوب مستهدفا اسرائيل على خلفية الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، فلم تلمس في ضوء الاجراءات التي سارع الجيش اللبناني الى اتخاذها، ان لجهة ملاحقة مطلقي الصواريخ وتوقيف مشتبه فيه او لجهة تسيير دوريات مشتركة مع اليونيفيل قبل اكتشاف منصتي صواريخ الاثنين وتعطيلهما ان ثمة اي مؤشر حول قرار بالتصعيد العسكري انطلاقا من لبنان. ساد هذا الانطباع في الاساس لاعتبارات تتصل بواقع ان القوى صاحبة المصلحة عادة في ان تفتح حرب في الجنوب او انطلاقا منه لا مصلحة لها راهنا في حصول ذلك. وهذا يشمل في شكل خاص الافرقاء المباشرين اي اسرائيل و"حزب الله" ومن خلفه النظام السوري او ايران لاعتبارات واسباب مختلفة فيما ان اي تحرك لتنظيمات فلسطينية من الجنوب تدور في فلك دول اقليمية من لبنان يحتم ان يكون مدعوما من جهة اقليمية او داخلية فاعلة من اجل ان يسمح له باستدراج لبنان. في حين ان تدخل "حزب الله" من اجل دعم حركة "حماس" في حربها ضد اسرائيل في غزة امر غير محتمل، باعتبار انه لم يرد في اي مرة وقعت مواجهات بين اسرائيل والحركة تحديدا منذ العام 2007 تاريخ سيطرة الحركة على غزة علما ان مواجهات عدة وقعت بين اسرائيل والفلسطينيين. ولا يعتقد ان هذا الامر محتمل او وارد وان في حال كان يشكل ذريعة ليس الا، في ظروف باتت اكثر تعقيدا إن لجهة علاقة الحركة بكل من الحزب وايران والنظام السوري فيما يخوض كل من هؤلاء الافرقاء حروبهم الخاصة. ما جرى كان محاولة لتبين ما اذا كانت ثمة تنظيمات فلسطينية او مرتبطة بها يمكن ان تساهم في تصعيد الوضع باعتبار ان المخاوف من ان يطرأ ما يمكن ان يصعد الامور تظل قائمة على وقع تخطي الحروب اطارها او استدراج افرقاء آخرين، فيما تأكد لهذه المصادر بسرعة وفي اعقاب اطلاق صواريخ نهار الخميس الماضي عدم وجود مصلحة لدى "حزب الله" بتقديم اي تغطية، بل على العكس فيما تردد ان مطلقي الصواريخ من مواقع سياسية مختلفة، وهؤلاء يمكن ضبطهم او ان عملياتهم غير محترفة. وايا تكن الاسباب التي تحول دون ذلك، فانه امر ايجابي بالنسبة الى هذه المصادر الا ينجر لبنان الى حرب وان يبقى وضعه مستقرا وان يستمر في المحافظة على القرار 1701 واحترامه من اجل حمايته من خلال تعاون مشترك بين الجيش والقوة الدولية لم يكن ممكنا لو ان هناك قرارا من افرقاء لبنانيين بتصعيد المواجهة مع اسرائيل، لا بل ان التعاون في ضبط الوضع في منطقة عمل القوة الدولية مؤشر على غياب اي مصلحة لاي قوة لبنانية فاعلة او قوة اقليمية او دولية في فتح معركة مع اسرائيل من لبنان اليوم لان الهموم والانشغالات في مكان اخر كليا.

لا ينفي ذلك ان تصعيد المواجهات بين اسرائيل والفلسطينيين ووقوع اكثر من مئة قتيل ومئات الجرحى الفلسطينيين يشكل احراجا للقوى التي ترفع شعارات داعمة للفلسطيينين ازاء الاعتداءات الاسرائيلية في حين ان خطاب هذه القوى على الاقل لم يعد موازيا لما يحصل وقاصرا عن التعبئة الشعبية والاعلامية والسياسية على عادة ما كان يجري في محطات مماثلة. ولم يمكن للمراقبين سوى الملاحظة في الوقت نفسه ان نعي "حزب الله" ستة من عناصره قتلوا في اشتباكات على جبهة القلمون السورية تزامنا مع ما يجري في غزة يشكل مفارقة لها مغزاها وابعادها في هذا السياق وان تكن سلبية في محصلتها بالنسبة الى الشعارات التي يرفعها الحزب او بالنسبة الى تاريخه. فلا يرغب احد، وفق هذه المصادر، في الاحوال العادية اي لو لم يكن الحزب منخرطا في الحرب في سوريا ان يربط الحزب بين الصراع الفلسطيني في اسرائيل ولبنان وان يتدخل هناك في اي شكل من الاشكال او يؤمن الغطاء لاي فريق يمكن ان يصعد انطلاقا من لبنان بما يمكن ان ينعكس سلبا على هذا الاخير، وكانت دوما ثمة مخاوف على هذا الصعيد في كل مرة حصلت مواجهات بين الفلسطينيين واسرائيل. لكن نعي الحزب لستة من عناصره قتلوا في الحرب على الحدود مع سوريا وليس مع اسرائيل في عز مواجهة هذه الاخيرة الفلسطينيين يظهر من حيث العدد الكبير للقتلى في خلال ايام معدودة على الارجح ان لم يكن في معركة واحدة، ومن حيث التوقيت والمكان كم ان المتغيرات والتحولات باتت كبيرة ومثقلة وكم ان البون بات شاسعا بين الخطاب والشعارات وبين الواقع على الارض وكم ان مآزق الافرقاء الفاعلين في المنطقة تعمقت. وهذه الامور باتت معروفة منذ بعض الوقت، لكن الحرب الاسرائيلية الجديدة على غزة كشفتها بالكامل، خصوصا انها الحرب الاولى بهذا الحجم منذ حصول انتفاضات الربيع العربي وما آلت اليه معطوفة على انطلاق المفاوضات الايرانية الغربية حول الملف النووي الايراني، ما سلط الضوء على مواقف او مواقع لم تكن ثمة حاجة الى أن تظهر على هذا النحو لولا التطورات الاخيرة.